قالت: كنت في حديقة بجوار داري، أمشي قليلاً وأتوقف قليلاً، فقد رأيت مستنقع ماء عن بعد، اجتمع حوله من العصافير عدد، وعن بعد كان هناك ثلاث قطط، كلما اقتربت واحدة منهن أو حامت حول المستنقع، نشرت العصافير أجنحتها وطارت، ثم عادت، فالعطش قاتل، والقطط قاتلة، رأيت واحدة من القطط تغلب فيها اليأس فغادرت المكان تركض، لعلها رأت صيدا أثمن وأضمن، أما الثانية فقد شمرت عن ذيلها، ورفعت حاجبيها، وركزت نظرها نحو المستنقع، وقد كمنت على بعد بين الحشائش, فيما الثالثة تمسكنت وتقرفصت وأغمضت عينيها أو تظاهرت، بينما ثلة من العصافير رحلت، اكتفت ببضع قطرات مؤونة للطيران في فضاء فسيح, وثلة منها لا تزال على غصن الشجرة تتقافز بين فرع وآخر، تتعالى أصواتها ربما احتجاجاً على القطتين الماكثتين على خبث، وربما على العطش وعجزها عن مغادرة الماء قبل الارتواء على ضحالته وأسَنه, وعصفورتان منها أخذتا في التمويه تارة تقتربان من المستنقع وتارة تبتعدان، ومع حركتهما تتحرك القطتان، مسرح تقول هي: ينبسط أمامي، اقتعدت طرفاً من المقعد الخشبي المستطيل الذي مالت واحدة من دعائمه نحو الأرض، واستلقى ظهره للوراء، ونشبت في أطراف عباءتي مسامير كانت بارزة في جوانبه، فقط لأتمم مشاهدة الققط والعصافير،.. والمستنقع .., خيل إليّ أن الماء الراكد الذي اهتز قليلاً بحركة الهواء مع مناقير العصافير قد قال شيئاً: (إيه لو تعرف هذه العصافير كيف أنا هنا، ولماذا لم أتسلل للتربة وأختبئ في باطنها؟.. وما الذي داخلي في القاع وإن تسطح؟.. وما الذي يكدرني في اللون وإن لم تعل رائحة تعفني، وكم من بقايا العابرين أخبئ بين ذراتي أو داخل مسافتي وإن صغرت؟.. آه لو تعلم العصافير لما ارتشفت قطرة مني لتبقي جوفها نقياً نظيفاً، وآه لو علمت القطط ما تفعله بي وهي تحرك الخشاش من حولي، وتزيدني رهقاً ورملاً وغباراً وخشاشاً..)، وتقول مواصلة: خيل لي أن القطتين يئستا بعد مغادرة العصافير للشجرة.., فذهبتا تتسللان داخل الأشجار الأرضية، تراقبان بقايا الزائرين الحديقة، والشمس توشك على المغيب، اهتزت شجرة كان أحد الصغار قد وجه إليها حجارة، سقط عصفور كان قد نفق فوقها من قبل داخل المستنقع.., أقبلت القطط الثلاث نحو المستنقع، كان قد ابتلع الجثة أما واحدة فقد سال الدم من قدمها، والأخرى تجر بفمها قطعة من شواء، والثالثة تلهث جوعاً وعطشاً، أما الناس فقد حملوا أمتعتهم وغادروا بعد أن التهم المستنقع بقاياهم... قالت: مسرح يتكرر.