ما تزال الأصداء تتوالى حول العدد الخاص من (الثقافية) الذي صدر الخميس الماضي عن الشاعر والروائي والمبدع غازي القصيبي، وفي هذه الرسالة التي بعث بها معالي الأديب الأستاذ عبدالعزيز السالم لصديقه الدكتور غازي قراءة أخرى للمحتفى به وللاحتفاء، وإشارة إلى عامين من الجهد المكثف، وعتب على ألا يكون شيخنا (أبو عصام) بينهم؛ فله العتبى، وإلى الرسالة:
حينما قرأت العدد (الخاص) من الثقافية (الملحق الخميسي لصحيفة الجزيرة) دارت في ذهني خواطر متنوعة وصور متعددة لهذا المثقف الكبير المتعدد المواهب المتنوع المصادر الثقافية، فهو كاتب وشاعر وروائي وناقد. وهذا الإجماع الثقافي لبارزين من فرسان الكلمة بين أديب كبير، ومثقف واسع الإطلاع، وروائي مرموق، وناقد بصير، كل هؤلاء على تعدد مواهبهم، وتنوع ثقافاتهم، واختلاف أوطانهم، وتباين توجهاتهم: جميعهم يلتقون عند بطل هذا العدد الخاص من الثقافية.
وفي هذا الإطار ومن خلال ما كُتب في هذا العدد: يُجمع كتَّاب هذا العدد من الثقافية على تألق المحتفى به، وتجسيد إنتاجه المتعدد المناحي بين شعر ورواية وثقافة عامة: لنجد أمامنا قامة ثقافية سامقة.
وقد ترددتُ في التعليق على هذا العدد الخاص من الثقافية، فقد كنت أتوقع أن أكون بين كتابها في هذه المناسبة الخاصة بصديقنا الموهوب، ولكن العدد - فيما يبدو - ولد ولادة متأنية حيث دام إعداده حوالي العامين، مع التكتم الشديد على إصداره، فكان صدور هذا العدد مفاجأة لكثيرين أنا من بينهم، والعدد الكبير من كتابه من خارج الوطن باستثناء عدد محدود من كتابنا. وإذا كان ما سجله إخواننا الأدباء الكبار من أبناء وطننا العربي عن انطباعاتهم حيال صديق الجميع الدكتور غازي، فإنها تسعدنا شهادات مثقفين كبار لهم وزنهم ومكانتهم في عالم الثقافة، وهذا يشكل مصدر فخار لنا.
وإذا حاولنا التعرُّف على صدى هذا الاحتفاء الثقافي لدى المحتفى به ثقافياً وانعكاس ذلك على مشاعره، فلنقرأ رسالته الموجهة إلى صديقنا العزيز الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة في العدد الصادر منها بتاريخ 13-3-1430هـ، والتي عبَّر فيها عن فيض مشاعره حيال ما كُتب عنه، حيث نلمس تزاحم الأقلام في هذا العدد الخاص الذي فاق بصورة ملموسة جميع أعداد الثقافية حجماً ومادة وتنوعاً في الكتَّاب العرب، على نسق غير مسبوق من إصدارات الثقافية.
وقد عبَّر في رسالته هذه عن أثر ما نُشر عنه وانعكاسه على وجدانه ونبض أحاسيسه، وفي هذا السياق استعرض بداياته الثقافية وتجاربه الأدبية، التي كان هاجسه الخوف من عدم نجاحها، فكان يعرض بواكير إنتاجه على من يتوسم فيهم إصدار الحكم الصحيح على إنتاجه البكر، ومع تعدد الذين عرض عليهم باكورة إنتاجه، وتعدد مناحي اتجاهاتهم، وتنوع ثقافاتهم وبيئاتهم وبلدانهم، فإنهم أعطوه الضوء الأخضر في الشعر والقصة وتزكيته في الثقافة بصفة عامة.
فكان ذلك إيذاناً بولادة شاعر مجيد، وروائي مقروء، وأديب موهوب. ومن هنا جاء تعبيره عن رؤيته لهذا العدد الخاص بأدبه العام وثقافته المتنوعة. ويعلل ذلك - كما جاء في رسالته المشار إليها - بقوله: (أود أن أقول إن كل من عُذّب وسعد بصحبة الحرف يتأرجح دوماً وأبداً بين الثقة المفرطة والقلق القاتل).. ويعلل قلقه الذي كان يستبد به حينذاك إزاء إنتاجه الثقافي بالتعليل الآتي: (لابد من القلق لأن المبدع الحقيقي في شك دائم من جودة إنتاجه أو يجب أن يكون).
وبهذه النظرة الواعية، والإرادة المتجردة من صلف المراهقة الفكرية: بلغ أديبنا الكبير هذه المكانة المتميزة في عالم الفكر والثقافة.
عبدالعزيز بن عبدالله السالم