إذا رغبنا أن ينتشر الاهتمام بالتاريخ على كل مراحله فعلينا أن نعيد منهجة كتابته على أسس تعتمد على:
1 - التعمق في موضوعات محددة في إطارين ضيقين مكاناً وزماناً.
2 - تقريبه إلى كافة المهتمين (متخصص وغير متخصص) عن طريق لغة مبسطة وتخليصه من السردية المملة.
وعن النقطة الأولى أعيد ما سبق أن طرحته بأن التاريخ ليس رصداً للأحداث وتحديداً للوفيات وإخباراً عن الحكام والرؤساء والأعيان وحسب، بل هو متابعة لكل ما يتعلق بالإنسان اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ودينياً، سواء في ذلك من هم من صناع الأحداث، أو من محركيها وفاعليها، وهو أيضاً شعور الإنسان وأحاسيسه نحو كل ما هو محيط به وما يصادفه.
والمدونات الكبرى في التاريخ، خصوصاً تاريخ العرب والمسلمين تقدم النموذج، فبعضها يتحدث عن عوام، وكثير منها لا يخلو من إشارات هي من صميم الحياة اليومية لكل إنسان، مع أنها تركز على القضايا الكبرى وتفصل في إبراز الوقائع المؤثرة والمعارك الكبرى والمؤامرات والدسائس التي تتصل بالحكم والحكومات.
ومن الكلام السابق نشعر أن التاريخ أي تاريخ لا يمكن أن يشبع بحثاً.
إن الواضح للعيان أن التاريخ أياً كان تخصصه في حاجة إلى دراسات كثيرة، شريطة أن تكون ذات حدود زمنية ومكانية أقل من سابقتها، وأن توجه أغلب الدراسات المقترحة إلى بحث الأمور التاريخية من جوانبها الاقتصادية والعلمية والاجتماعية. فمثلاً في تاريخ المملكة لابد من التوسع في استخدام الوثائق التي تحفظ مئات الآلاف منها، إن لم أقل الملايين من الدوائر الرسمية مثل: مكتبة الملك فهد الوطنية، ودارة الملك عبدالعزيز، ومعهد الإدارة العامة، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وفي المحاكم الشرعية الخاصة في منطقتي مكة والمدينة، إضافة إلى ما هو موجود منها في وزارات المالية والدفاع والداخلية.
فالتوجه نحو الموضوعات المعمقة موضوعاً والمحدودة في إطار مكاني ضيق، وإطار زمني ضيق أو ربطاً مقارناً بين زمنين محددين أو موقعين أو متابعة مسألة موضوعية بعينها يجري التعرف على نشأتها وتدرج خطوات تطورها عبر حقبة زمنية قصيرة، لأن التركيز هنا سيكون على جانب موضوعي، واللجوء إلى الوثائق بالدرجة الأولى يعني تقديم بحوث جديدة في تاريخ المملكة تؤكد لمن يتابع ويقرأ أن تاريخ هذا البلد في حاجة إلى كتابات، وليس من المهم أن يحدد شكلها، فقد تكون دراسات تنشر في دوريات محكمة أو كتب مستقلة أو ضمن موسوعات. وفيما يبدو لي أن القول بأن تاريخ المملكة قد أشبع درساً وبحثاً، يصدر عن متابعين غير متعمقين لخلفيات هذا التاريخ أولاً، وبسبب كثرة الأعمال المتشابهة التي صدرت، مما يعطي الانطباع بقلة الموضوعات التي يمكن أن تدرس أو تناقش.
وسوف أتابع الأسبوع القادم.