تقرير - عبدالله الباتلي
كان الفتى الفرنسي اليافع جان أمادو تيجانا - المولود في الثالث والعشرين من شهر مايو عام 1955 في مقاطعة باماكو المالية - يحب كرة القدم بجنون كأي شاب فقير من أسرة تعاني من الهجرة إلى بلاد الأناقة والجمال، وكان يحاول مذ كان صغيراً أن يجمع بين حبه لكرة القدم وبين هموم إعاشة أسرته في زمن صعب وظروف اقتصادية لا ترحم، ولم يرَ عيباً في العمل لدى مصنع تولون لإنتاج السباغيتي، ومن ثم في العمل كساعي بريد، إلا أن المهم في الأمر أن الفتى الأسمر تيجانا كان يمارس كرة القدم متى وجد فراغاً من عمله اليومي، ولعب لفرق مغمورة مذ أن كان في العاشرة من عمره؛ بدءاً من (أسبت مارسيليا) مروراً ب(ليس كايلول) وانتهاءً ب(كاسيس) قبل أن تلحظه أعين مراقبي فريق سبورتينق تولون المحلي، لتبدأ حكاية تيجانا مع الاحتراف الكروي مودعاً حياة البؤس والفقر، ومرحباً بحياة الشهرة والمتعة الخالصة.
ليون يراقب تيجانا
وقع تيجانا عقد انتقاله إلى تولون وهو في العشرين من عمره أي في عام 1975 منتقلاً من حياة الهواية إلى عالم الاحتراف، وكان لاعب الوسط الأسمر مميزاً مع فريقه في ثلاثة مواسم لعبها ضمن صفوفه مشاركاً في (76) مباراة ومحرزاً (10) أهداف، قبل أن تلتف أعين كشافي بطل فرنسا الحالي - لسبعة مواسم على التوالي - فريق أوليمبيك ليون حول موهبة المحور القادمة في فرنسا آنذاك، ليتلقفه الفريق المميز مطلع عام 1978 ليساند الفريق في تقديم مستويات رائعة لفتت الأنظار إليه أكثر وأكثر، وشارك تيجانا في (104) مباريات مرتدياً قميص أوليمبيك ليون وأحرز خلالها (15) هدفاً.
ومع مرور موسمين فقط لتيجانا مع ليون اختاره الاتحاد الفرنسي ليكون ضمن خارطة الديوك في المنتخب الوطني الفرنسي عام 1980.
بوردو المحطة الأبرز
لم يمكث تيجانا أكثر من ثلاثة مواسم مع ليون قبل أن يتقدم العريق بوردو وقتها بعرض يسيل له اللعاب وقتها لفريق ليون من أجل التخلي عن نجم وسطه الشاب (26 سنة) عارضاً (4) ملايين دولار مقابل التوقيع مع الديك الأسمر جان تيجانا، لتتم الصفقة ولينتقل نجمنا إلى صفوف بوردو وليلعب باسمه سنوات سجلته ضمن لاعبي النخبة الفرنسيين فترة الثمانينيات الماضية، وضمن كتيبة وسط نادي بوردو مدة (8) سنوات تمكن تيجانا من مساعدة الفريق في إحراز ثلاثة ألقاب دوري محلية وثلاثة ألقاب كأس، ولعب للفريق ما مجموعه (251) مباراة محرزاً خلالها (11) هدفاً، وكان مع بوردو قريباً من تحقيق مجد أوروبي لولا أنهم خرجوا في مناسبتين من الدور نصف النهائي في بطولة أوروبا أبطال الدوري وبطولة أوروبا أبطال الكأس بعد أن قدم الفريق مستويات استحق عليها احترام النقاد وقتها.
وبعد مسيرته الرائعة وسنواته الجميلة مع بوردو إثر تيجانا أن يختم مسيرته في الفريق المتوهج حينها أوليمبيك مارسيليا، ليلعب له موسمين فقط مرتدياً قميص الفريق في (56) مباراة قبل أن يعلن اعتزاله اللعب بنهاية موسم 1991.
(The Magic Square)
)المربع السحري).. هكذا كانت الصحافة الفرنسية تلقب وسط منتخب الديوك فترة الثمانينيات المتوهجة المتكون من الأسطورة ميشيل بلاتيني والمخضرم لويس فيرنانديز والمذهل آلين غيريس والديك الأسمر جان تيجانا ليعزف ذلك الوسط سيمفونيات إبداع لطالما طرب لها الفرنسيون، خصوصاً عندما حقق منتخب الديوك الفرنسي لقب بطولة أمم أوروبا عام 1984 من أمام منتخب الماتادور الإسباني وكان تيجانا أحد أعمدة الفريق آنذاك، وقد عدَّ النقاد تلك الأسماء التي كونت وسط الديوك في الثمانينيات أحد أروع الرباعيات التي مرت بتاريخ كرة القدم.
جدير بالذكر أن لتيجانا مع المنتخب الفرنسي (52) مباراة خلال مسيرته الدولية منذ انضمامه للتشكيلة عام 1980 وحتى اعتزل اللعب الدولي عام 1988، ولم يحقق سوى هدف واحد على الصعيد الدولي.
تيجانا وتجربة التدريب
لعل الشواهد الكثيرة على مر السنوات أثبتت لكل متابعي كرة القدم أنه ليس بمقدور كل من زاول كرة القدم لاعباً أن يتمكن من مزاولتها مدرباً، ولكن المحور الصلب تيجانا كان من ضمن تلك النخبة التي لعبت الكرة بعقل ومارس الكرة بتركيز مما جعله يخرج منها بحصيلة أعانته على الاستمرار في عالم المستديرة، ولكن موقعه كان خارج المستطيل الأخضر إلى جانب دكة البدلاء يصيح كملايين من المدربين حول العالم.
ومع عودة تيجانا إلى مدينة ليون الفرنسية خالجته فكرة مزاولة التدريب خصوصاً مع حصيلة الخبرة الكروية التي لديه سواءً من خلال الفرق الكبيرة التي لعب ضمن صفوفها أو من خلال مشاركاته الدولية التاريخية مع المنتخب الأزرق الفرنسي، فعرض الفكرة على إدارة ليون التي رحبت بابنها السابق ولكن كمدرب هذه المرة، لتبدأ مسيرة تيجانا التدريبية عام 1993 مشرفاً فنياً على فريق أوليمبيك ليون وخلال موسمه التدريبي الثاني تمكن من إيصال الفريق إلى وصافة الدوري الفرنسي كإنجاز ملفت لمدرب مبتدئ، واستمر مدرباً لليون مدة عامين قبل أن يتحول إلى موناكو الفرنسي عام 1995 بعد أن أظهر لمسات جيدة مع ليون تدريبياً، واستمر مع موناكو حتى نهاية موسم 1999-2000 لتبدأ حياته الاحتراف الخارجي ولكني كمدرب.
أفضل مدرب في إنجلترا
مع نهاية الألفية المنصرمة قام نادي فولهام الإنجليزي - الذي يملكه مصري الأصل محمد الفايد صاحب متاجر هارودز المشهورة عالمياً - قام بتقديم عرض لجان تيجانا لتدريب الفريق الذي كان وقتها يصارع للصعود إلى البريمير ليغ الدوري الإنجليزي الممتاز، ووافق تيجانا على العرض ليقود الفريق الإنجليزي إلى مفاجأة مذهلة عندما صعد به بعد موسم عنيف إلى مصاف أندية النخبة في الدوري الإنجليزي الممتاز محرزاً لقب الدرجة الأولى، وحاصلاً على جائزة أفضل مدرب في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي وهو لم يتجاوز موسمه الأول بعد مع الفريق، وليشارك في الدوري الممتاز للموسم الجديد ليس على البقاء كحال الصاعدين بل منافساً على المراكز المؤهلة إلى المقاعد الأوروبية، واحتل معه فولهام على المركز الـ(13) مع نهاية ذلك الموسم.
وخلال سنوات تدريبه الثلاث لفولهام تمكن من قيادته أيضا إلى المشاركة في بطولة كأس الاتحاد الأوروبي موسم 2002 قبل أن يقصى من قبل ممثل الماكينات الألمانية في البطولة آنذاك فريق هيرتا برلين.
تيجانا ينتقم من فولهام
إلا أن نهاية العلاقة بين تيجانا وفولهام لم تكن جيدة البتة؛ حيث أقيل تيجانا من قبل الإدارة في إبريل عام 2003، قبل أن ترفع نفس الإدارة عليه قضية بتهمة دفعه مبالغ زائدة عن المتفق عليه لبعض لاعبي الفريق آنذاك، إلا أن التهم أسقطت، ليعود الفرنسي في هجمة مرتدة رافعاً بدوره قضية على فولهام بتهمة إقالته بالخطأ، وربح القضية ومعها ما يزيد على (2) مليون جنيه إسترليني.
تيجانا وإنجاز بشكتاش
بعد هدوء العاصفة التي لحقت بأحداث محاكمة تيجانا، تقدم نادي بشكتاش التركي يخطب ود المحور الفرنسي، ووافق تيجانا على الفور ليوقع معهم عقداً لتدريب الفريق الأسود والأبيض لمدة عامين ابتداءً من أكتوبر عام 2005، وخلال موسمه الأول مع الفريق التركي، تمكن تيجانا من قيادة الفريق إلى إحراز لقب كأس تركيا بعد أن غاب عن خزائن الفريق 8 سنوات، كما حقق الفريق بقيادته المركز الثاني بالدوري التركي الممتاز موسم 2006، واختتم مسيرته مع الفريق بإحراز لقب السوبر التركي موسم 2006 قبل أن يعلن في مؤتمر صحفي وداع الفريق بنهاية الموسم وليختتمه له بإحراز الكأس التركية للمرة الثانية على التوالي وليترك الفريق بالتراضي بينه وبين الإدارة.
مميزات المخضرم تيجانا
يعد تيجانا أحد أهم الكشافين في فرنسا خلال فترة تدريبه هناك؛ فقد برز على يديه عدة لاعبين غيروا مسار الكرة الفرنسية مثل لودوفيك جولي عندما كان مدرباً لليون، ومثل تييري هنري وديفيد تريزيجيه وإيمانويل بيتيت عندما كان مدرباً لموناكو، وذلك يدل على أن المدرب يمتاز - إلى جانب قدرته على تجهيز بيئة الفريق الذي يشرف عليه لنمو المواهب - بنزعته الهجومية وقد وضح ذلك بشكل جلي عندما أسالت الصحافة الفرنسية الكثير من الحبر حول التغير الذي حدث لموناكو منذ أن تولى تيجانا تدريبه خصوصاً من ناحية الضغط الهجومي وتقديم الكرة الجميلة مما حدا بالجميع إلى الإشادة به بشكل كبير، حتى أن إشاعات إمكانية توليه منصب المدير الفني للديوك الفرنسية خلفاً للكهل إيمي جاكيه - متى ترك منتخب فرنسا بعد نهاية كأس العالم عام 1998 - بلغت حداً كبيراً في طول فرنسا وعرضها.
والميزتان الأخيرتان هي ما يحتاجهما الهلال في الوقت الحاضر خصوصاً بعد أن أجبره مدربوه السابقون كباكيتا مروراً ببيسيرو ووصولاً إلى كوزمين على التقوقع واتخاذ طرائق الدفاع ونسيان ما كان عليه الزعيم من إمتاع هجومي وسيل تهديفي كان مثار الحسد من الفرق الأخرى محلياً وخارجياً.