لابد للمبدع من معاناة يصنع منها إبداعاً جديراً بالبقاء والخلود..
|
وإذا سلمنا بوجود المعاناة لدى كل إنسان سواءً كان مبدعاً أو لا.. فإن معاناة المبدع تختلف عن معاناة الإنسان العادي كون الأول لديه قدرات خاصة يوظفها بطريقة فنية تستوعب أو تجسد معاناته..
|
والمبدع يحمل معاناته معه كما يحملها كل شخص لكنه لا ينفك باحثاً عن الطريقة أو الأسلوب الأعمق تأثيراً في تصوير معاناته - وهذا سر تميزه - لتلامس وجدان وعقل المتلقي.. وكلما اتسعت معاناة المبدع في آفاق الإنسانية كلما كان تأثيرها أعمق وأخلد..
|
يقول الشاعر المبدع غازي القصيبي في حالة إنسانية نادرة مصوراً معاناته.
|
طويتُ بصدري عبء الوجود |
فيوشك خطوتي أن يعترا |
كأني خلقت لمسح الدموع |
وجئت لأحمل هم الورى |
أحس بأن ابتسامي حرام |
إذا ما التقيت بدمع جرى |
وإن سهرت مقلة في الظلام |
رأيت المروءة أن أسهرا |
هذا إبداع إنسان من مبدع تجاوزت معاناته إلى معاناة غيره..
|
وحياة كل مبدع إنما هي سلسلة من الحلقات المتتابعة من الإبداع المتواصل الذي يصور المعاناة المستمرة حتى آخر يوم في حياة المبدع..
|
كما هي حياة الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي.. وقد طلب المحال في قوله:
|
أريد من زمني ذا أن يبلغني |
ما ليس يبلغه من نفسه الزمن |
فيالها من معاناة كلفت الشاعر في النهاية حياته! والمعاناة ضرورية للإنسان كي يتحدى ويكافح ليتجاوز معاناته أو يصنع منها إبداعاً إن كان من فئة المبدعين..
|
والمعاناة هي التي تغرز في أعماق الشخص الألم.. لكن هناك من ينطوي على ألمه مجتراً همومه وأحزانه.. وقليل من يتصدى لآلامه في ثبات وقوة..
|
ومن هؤلاء القليل المبدعون الذين وهبهم الله الإبداع الخلاق..
|
فهم يستطيعون بمواهبهم تلقي الإلهام الهابط من الغيب فيضيف إليه شيئاً من معاناته الذاتية.. عندها تبرز بصمته الخاصة التي يتفرد بها ولا تشبه بصمة غيره من المبدعين الملهمين.. فما أجمل المبدع حين تتحول تجاربه الحياتية الموسومة بالمعاناة.. إلى جمال فني يسلب القلوب والألباب.. ويعبر عن كثير من مشاعر ورؤى السواد الأعظم ممن لا يستطيعون حيله إلى الإبداع ولا يهتدون سبيلاً.
|
|