المفاتيح ستنقرض مثل الديناصورات، وسيأتي يوم تصبح فيه مفاتيح الأقفال قطعاً أثرية نحتفظ بها احتفاءً بتراث الأجداد!
المؤشرات كلها تدل على ذلك، أبواب الصرافات تفتح الآن بالبطاقات الذكية، بوابات العديد من المرافق لا تفتح إلا بالبصمة، تأمين السيارة ينفتح بالريموت، تشغيل المحركات أصبح يتم عن بعد، والخزائن لا تستجيب إلا للبصمة أو كلمة السر الحاسوبية.
دعك مما سبق، فقد بتنا الآن في مرحلة أكثر تقدما، فها هي الأحاديث تتعاظم عن البيوت الذكية، والأخبار تتوارد عن تطبيقاتها، حيث لا تنفتح أبواب المساكن إلا لأصحابها، ولا تعمل أجهزة التكييف والإضاءة إلا لأهل الدار، بل يمتد الأمر لصنابير المياه وأجهزة التسجيل والتلفاز والفيديو وإمدادات الغاز وحتى الصرف الصحي. كل ذلك سيحتاج إلى كمبيوتر مركزي في المنزل، يتحكم في كل شيء، ليرمي أهل الدار المفاتيح التقليدية في القمامة، ولتصبح كلمات السر أو البطاقات الذكية أو البصمات هي الأمر الناهي في فتح البيوت وتشغيل خدماتها!
يقولون إن أي إنسان معاصر لا بد أن يحمل في جيبه بطاقة هوية، وجهاز تلفون جوال، ولم يقولوا إنه يحمل أيضاً مفاتيح عديدة: مفتاح البيت، مفتاح المكتب، مفتاح الدرج، مفتاح السيارة، وغيرها.. لقد تجاهلوا المفاتيح لأنهم يعرفون مصيرها، على الرغم من أن بطاقات الهوية نفسها ستبدأ الذوبان على المدى المتوسط، إذ ستنتشر استعمالات البصمة وستدخل الخرائط الوراثية في السجلات المدنية، كما أن أجهزة الجوال ربما تتحول إلى شرائح مزروعة تحت الجلد، أو أجهزة مدمجة مع ساعة المعصم، لكن المفاتيح ستكون أولى ضحايا التقنية على المدى القريب، وستمسي جزءا من تاريخ التطور البشري في عصر ما قبل التقنيات الحديثة! الهوس الإنساني بالأمن هو الذي اخترع المفاتيح، والهوس نفسه هو الذي سيزيح هذه المفاتيح، حيث تتعاظم الاحتياجات لما هو أكثر متانة، فقد اخترع الإنسان ما يجعل حياته تمخر في بحور الرفاهية، لكنه أصبح أكثر قلقا وخوفا من مخاطر لا تحدها الحدود، فطار النوم من مخدعه، وبات بحاجة إلى ما هو أقوى من المفاتيح لكي تقر عينه.. نوماً.
Shatarabi@hotmail.com