كلما جاء ما يُسمى لدى الغرب (عيد الحب) أو (الفالنتين) الذي يقدم فيه العشاق لبعضهم البعض الزهور الحمراء - تحديداً - وعلى الطريقة الأوروبية (البدعة)، تذكرت (جبل التوباد) أو جبل المحبة الذي شهد أشهر حب (عذري) لدى العرب بين قيس بن الملوح وليلى العامرية، ذاك الحب الذي تناقلت أخباره الركبان وكُتب الأدب وظل يُروى في عالمنا العربي حتى اليوم من خلال المسرح والشعر والغناء، وبمناسبة ذكر (الحب العذري) الذي يعني العفاف وتلاقي الأرواح بعيداً عن الحس الجنسي واللقاء الجسدي الذي فهمناه هكذا - أي الحب العذري - الذي أصبح يطلق على (الحب الشريف) تحديداً دون أن يتذكر أو يعلم أكثرنا أن (العذرية) لا تتعلق أصلاً بالطهارة الجسدية قبلاً - بل لأن هذا النوع من الحب شاع عند قبيلة (بني عذرة) بالذات، واقتدت به سائر قبائل العرب بل وحتى أغلب قبائلنا اليوم، وكان الرجل لا ينظر إلى المرأة من قومه منظوراً حسياً بل ينظر إليها من منظور أخلاقي يتعلق بالشيم والقيم والشرف، بحيث يعاملها ويتحدث معها بل ويرتحل معها أو يعاونها في (الرحيل والنزيل) على الأعباء التي لا طاقة لها بها (كالمتح) من الآبار لسقي إبلها قبل إبله ومساعدتها في حمل ما ثقل من الأمتعة فوق ظهور الجمال.
وكذلك الحال ينطبق على البيئة القروية إذ يساعد الرجل المرأة على السقاية وخرف النخيل وقيادة (السانية) وحصاد الزرع وبناء بيت الطين، وجاء هذا التلاقي النبيل بين المرأة والرجل كضرورة حياتية ينظمها الدين والعُرف لصرامة العقوبة في اختراق هذا الحاجز الأخلاقي، فإذا كنا نعرف عقوبات العرض في الشريعة فإن البعض لا يعرف قسوة العرف في حال هكذا. على أية حال فإنني اتذكر التوباد وما شهده من حب عذري كلما جاء ما يسمى (عيد الحب) المستورد من الغرب وأقول في ذاتي: لماذا لم تفكر هيئة السياحة بإقامة فنادق راقية ومشروعات سياحية ترفيهية متعددة حول ذلك الجبل (اليتيم) ليرتاده المتزوجون حديثا لقضاء شهر العسل أو الأزواج الذين يحاولون قتل رتابة الحياة ب(تجديد الحب) كلما احسوا بملل الأيام وتكرار المشهد المعيشي اليومي الممل، هذه مجرد فكرة لعلها تنسينا (فالنتين) وعيده وتذكرنا دوماً ب(قيسلين) وليلاه. وبالتوباد أيضاً.