صدفة عاصفة جعلتني أدير ندوة قدمتها د. آسية الرواف عن والدها خليل الرواف المغترب النجدي في أمريكا. وقد شارك في هذه الندوة د. محمد الربيع, والأستاذ خالد البسام أيضاً, وأدار القسم الرجالي فيها الأستاذ - أحمد الطامي.
كان موضوع الندوة في مجمله عن تجربة العقيلات على المستوى التاريخي, والتفاصيل المدهشة لحياة خليل الرواف على وجه التحديد.
كانت الندوة إطلالة سريعة على حياة مثيرة مدهشة لهذا المغترب الذي ابتدأت تفاصيلها بعدما غادر مدينته بريدة وهو في الخامسة عشرة لينتهي به الترحال في هوليود ويقوم بأحد الأدوار في فيلم أمريكي من أفلام الوسترن مع (جون وين).
بالتأكيد هذه التجربة كانت شبه مغيبة عن فضائنا الثقافي على الرغم من صدور كتاب سيرة ذاتية بقلم المؤلف, وعلى الرغم من الدور الفاعل الذي قام به الرواف في تاريخ المملكة سواء على المستوى السياسي أو بعض النتاج الفكري المتناثر هنا وهناك, فالرواف شارك في استقبال الوفد السعودي الذي كان يرأسه جلالة الملك فيصل - رحمه الله- عام 1948م لتوقيع المملكة العربية السعودية على ميثاق الأمم المتحدة وأسهم في الترجمة وتسهيل أمور الوفد آنذاك.
وحياة المغترب النجدي خليل الرواف المتعددة الجوانب الزاخرة بالأحداث هي مؤشر كبير على أننا لا نجيد فن التسويق, أو إبراز منجزنا الحضاري بالشكل الذي يليق به. ففي حين أن التاجر اللبناني أو الفينيقي العريق الذي يجيد تسويق أي بضاعة, استطاع أن يجعل من أدب المهجر, ورابطة القلم, وجبران خليل جبران أساطير أدبية في عالم الفكر والأدب العربي بل العالم برمته, بقيت تجربة خليل الرواف متوارية عن الأضواء منكفئة على الإهمال وغياب الجهد الأكاديمي الذي من الممكن أن يتتبعها ويرصدها بشكل يتعاطى مع جميع تفاصيلها رصداً وتوثيقاً, ابتدأ من مغادرته بريدة إلى دمشق والتقائه بسيدة أمريكية وزواجه منها ومرافقتها لنيويورك ومكوثه في الولايات المتحدة يجوبها من شمالها إلى جنوبها عشرات السنين انتهاء بعودته إلى مصر, ومن ثم استقراره في أواخر عمره بالسعودية. وكلمة استقرار هنا قد لا تعكس تجربته على حقيقتها, إذا عرفنا - بحسب ما أخبرتنا ابنته د. آسية الرواف - أن مكوثه في أي مكان لم يزد عن 4 أشهر متصلة كنموذج يعكس روح الترحال المتأصلة بالعقيلات.
غياب تجربة الرواف عن المشهد الثقافي وافتقادها التوثيق، هل يعود إلى المركزية الثقافية التي يكابدها الهامش؟ أم أنها الأنفة الصحراوية التي ترفض التسويق وتتأبى على التسليع, وتنتظر الأعمال أن تتحدث عن نفسها, ومن هنا قد يكون الانتظار طويلاً فيمتد مائة عام كما في حالة خليل الرواف, الذي تعرفنا على تفاصيل مثيرة من حياته لم تحظ بالدراسة والمتابعة بالشكل المطلوب عن طريق الصدفة, فهي من ناحية تحوي رصداً تأريخياً كثيفاً لمراحل متعددة من تاريخ المملكة, إضافة إلى بعض النتاج الفكري والمسرحيات التي كان يؤلفها الرواف ليمثلها الطلبة الذين كان يقوم بتدريسهم العربية عندما كان يؤم المصلين في (نيويورك).
ولعل إعادة طباعة كتاب سيرته الذاتية هو خطوة أولى من الممكن أن نقوم بها وفاء لتجربة نادرة ومثيرة.... لنجدي في أمريكا.