كان رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ قد ألقى كلمة قال فيها:
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود.. حفظكم الله ورعاكم..
أصحاب السمو الأمراء..
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
خادم الحرمين الشريفين:
تتزاحم الكلمات في نفسي، وكل كلمة تريد أن تشرف بحمل عبارات الشكر والتقدير لمقامكم الكريم على الثقة الكريمة التي أوليتمونا إياها.
خادم الحرمين الشريفين:
هذه دورة جديدة في عهدكم الميمون في مسيرة مجلس الشورى المبارك الذي بدأ انطلاقه قبل أربعة وثمانين عاماً، منذ عهد الوالد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- الذي وضع اللبنة الأولى لصرح الشورى في المملكة العربية السعودية عام 1346هـ، وأنتم تفتتحون يا خادم الحرمين اليوم السنة الأولى من الدورة الخامسة في تاريخ المجلس المديد -بحول الله وتوفيقه- بعد مضي ستة عشر عاماً على تكوينه الجديد بنظامه الحديث، ذلك النظام الذي تضمّن تطوراً في أسلوب عمله وصلاحياته؛ قصداً إلى مواكبته للمتغيرات والمستجدات الحديثة، كما شهد زيادة في أعضائه وتعديلاً في صلاحياته بما يمكنه من المزيد من الإنجاز والنجاح، ولا يزال المجلس يتلقى دعمكم الكريم، فقد وافق مقامكم الكريم على مشروع تحديث شبكة الحاسب الآلي في المجلس، وقد استكمل المشروع بنيته التحتية وها أنتم تدشنونه هذا اليوم، وسيتمكن المجلس - إن شاء الله- من تحويل أعماله لتصبح تقنية حاسوبية الكترونية، كما وافقتم - رعاكم الله - على إضافة مبنى جديد إلى مبنى المجلس يحتوي على العديد من الأجنحة الإدارية وصالات الاجتماعات وصالات الاستقبال مزودة بأحدث التجهيزات التقنية، وهو ما سيتم وضع حجر أساسه اليوم من قبل مقامكم الكريم.
خادم الحرمين الشريفين:
في إطار التكامل بين أداء الإدارات والحكومة التنفيذية وهذا المجلس التشريعي التنظيمي الرقابي فقد تم العديد من اللقاءات بالمسئولين في الدولة من أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء الذين حضروا اجتماعات المجلس خلال الدورات السابقة وأوضحوا للمجلس ما تقوم به الأجهزة الحكومية في الإدارة والتنمية واستمعوا من الأعضاء إلى ملاحظاتهم وآرائهم مما كان له الأثر الفعال في تحسين الأداء الحكومي وتفهم الأعضاء للعقبات والصعوبات التي تواجه تلك الأجهزة.
خادم الحرمين الشريفين:
على صعيد إنجازات المجلس بلغت قراراته خلال الدورة الرابعة (أربعمائة وستة وثمانين) قراراً اتخذها المجلس في (ثلاثمائة وسبع عشرة) جلسة، وقد تضمنت هذه القرارات العديد من الأنظمة واللوائح والاتفاقيات والمعاهدات والتقارير السنوية وموضوعات أخرى عامة، وقد بلغ عدد القرارات التي صدرت بها الأنظمة (مائة وثمانية عشر) قراراً، أما المعاهدات والاتفاقيات فبلغت (مائتي) قرار، فيما بلغت التقارير السنوية (مائة وثلاثة وأربعين) قراراً، أما الموضوعات الأخرى فقد بلغت (خمسة وعشرين) قراراً.
ومن هذه القرارات:
نظام الهيئة العامة للغذاء والدواء، نظام الكهرباء، نظام مكافحة الغش التجاري، نظام المرور، نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، نظام التأديب العسكري، الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات، نظام الهيئة العليا للإسكان والتنمية العقارية، نظام القضاء ونظام ديوان المظالم، نظام الغرف التجارية، نظام الجامعات، نظام التمويل العقاري؛ ونظام مراقبة شركات التمويل، نظام التأجير التمويلي؛ ونظام الرهن العقاري المسجّل، نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص.
هذا بالإضافة إلى مئات القرارات المتعلقة بالاتفاقيات الإقليمية والدولية وبتقارير أداء الأجهزة الحكومية وتعديل مواد بعض الأنظمة وموضوعات أخرى تتعلق بالشأن العام للدولة.
وعلى الصعيد الخارجي، خطا مجلس الشورى عبر الدبلوماسية البرلمانية خطوات واسعة في مد جسور التعاون والتواصل مع جميع البرلمانات من خلال الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية، ولجان الصداقة البرلمانية والزيارات الثنائية ؛ حيث قام المجلس خلال هذه الدورة بزيارة العديد من البرلمانات في العالم عربية وإسلامية وصديقة، وحرص المجلس خلالها على بيان مواقف المملكة إزاء مجمل القضايا العربية والإسلامية وحقيقة مفهوم الشورى في الإسلام ونجاح تطبيقه، وحققت بحمد الله جميعها النتائج الإيجابية البناءة والمثمرة.
وإدراكاً من القيادة الحكيمة لحجم المسؤولية الملقاة على مجلس الشورى فقد كان في برنامج رؤساء الدول الذين يقومون بزيارة المملكة زيارة المجلس وإلقاء خطابات من منبره، وآخرها في هذه الدورة زيارة فخامة الرئيس التركي للمجلس التي تمت في الشهر الماضي وإلقاؤه خطابه أمام الأعضاء مما يشعر بالدور والمكانة التي يمثلها المجلس.
خادم الحرمين الشريفين:
لقد شهدت البلاد العام الماضي برعايتكم -حفظكم- الله العديد من الإنجازات والمشروعات التنموية، يذكر منها وضع حجر الأساس لجامعة الملك سعود للعلوم الصحية ومركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية وعدد من المشروعات الطبية التخصصية في الحرس الوطني، وأمركم الكريم بصرف مبلغ مليار ومائة وخمسين مليوناً لجميع الأسر المشمولة بالضمان الاجتماعي في المملكة لمساعدتها في شهر رمضان المبارك، كتب الله ذلك في موازين أعمالكم، ثم موافقتكم على تحمل الدولة تكاليف الدراسة الخاصة ببرنامج التعليم الموازي في جامعات المملكة وما تلاه من التوجيه بزيادة مكافآت الطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج بنسبة50% ومنها موافقتكم على إقامة أكبر مشروع علمي على المستوى الجامعي حيث وضعتم حفظكم الله حجر الأساس لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات، وكان مسك ختام العام الماضي من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية ما صدرت به ميزانية الدولة للعام المالي الجديد والتي تعد أكبر ميزانية تشهدها المملكة رغم الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم وما تضمنته من بنود مخصصة لجميع أوجه التنمية في المملكة من تعليمية وصحية واجتماعية وغيرها.
وعلى الصعيد الدولي فقد شهد العام الماضي أحداثاً سياسية واقتصادية مهمة كان لكم فيها حفظكم الله الريادة والمبادرة والأثر البارز في مجرياتها ونتائجها، لعل أهمها دعوتكم إلى حوار بين أتباع الأديان والثقافات لإبراز سماحة الإسلام وإظهار وسطيته ونبذه للعنف والإرهاب والذي بدأ بمؤتمر مكة المكرمة في بداية شهر جمادى الآخرة وما نتج عنه من وضع الأساس لحوار أشمل وأكبر على المستوى العالمي حينما انعقد المؤتمر العالمي لحوار الأديان والثقافات في أسبانيا برعايتكم الكريمة ومشاركة الملك خوان كارلوس ملك أسبانيا في منتصف شهر رجب وما توصل إليه من قرارات ونتائج كان لها الأثر الكبير في تتويج هذه المؤتمرات في اجتماع القمة لرؤساء الدول وزعمائها في الأمم المتحدة في بداية شهر ذي القعدة الذي أوضحتم فيه ما يدعو إليه الإسلام الحنيف من قيم ومبادئ في التسامح والوسطية وإشاعة الأمن والسلام لجميع شعوب الأرض مما كان له عظيم الأثر في بيان سياسة المملكة والدفاع عن قيمها ومثلها العليا والوقوف في وجه الهجمات المغرضة، ثم أعقب هذه المشاركة مشاركتكم في قمة أخرى مهمة على المستوى الاقتصادي والمالي وهي القمة الاقتصادية لمجموعة الدول العشرين الكبرى لمواجهة التداعيات الاقتصادية العالمية.
وعلى المستوى العربي والإسلامي، كان لكم يا خادم الحرمين الشريفين جهود كبيرة ومساع جليلة في سبيل خير العالمين العربي والإسلامي وتقديم المساعدات التنموية والإغاثية والمساعي الحميدة في نشر الأمن والسلام والاستقرار والوقوف إلى جانب الشعوب العربية والإسلامية التي تعرضت لكوارث أو نوازل أو اعتداءات غاشمة كان أبرزها وقوفكم حفظكم الله وقفة المساند القوي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة من أول يوم تعرض فيه للاعتداء والغدر والقتل والتدمير على أيدي الصهاينة الإرهابيين المجرمين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاَّ ولا ذمة ولا يرعون عهداً ولا ميثاقاً حينما بادرتم من أول يوم وقع فيه العدوان الغاشم إلى مد يد العون والإغاثة مادياً ومعنوياً بإرسال الإغاثة الطبية والغذائية وفتح باب التبرعات ومساهمة الشعب السعودي النبيل في التخفيف من مصاب إخواننا الفلسطينيين وما صاحب ذلك من مواقف سياسية مشرفة على المستويين الإقليمي والدولي واتصالات بقيادات العالم لإنهاء معاناة الإخوة الفلسطينيين في قطاع غزة، ثم كان تاج هذه الجهود الموفقة الناجحة تلك المبادرة العظيمة المباركة التي قدمتموها - حفظكم الله - في مؤتمر القمة في الكويت التي غيرت مجرى الأحداث من أجل إنهاء النزاعات والاختلافات العربية وفتح باب المصالحة العربية، فقد جعلتم من المملكة قدوة تحتذى ومثالاً في تجاوز الخلافات الجانبية وتغليب مصلحة الأمة واجتماع الكلمة لخدمة القضية الأولى قضية فلسطين وتضميد جراح إخواننا الفلسطينيين ثم المبادرة إلى تخصيص أكبر إسهام مالي لإعادة إعمار غزة وقدره ألف مليون دولار باسم شعب المملكة.
كتب الله ذلك في موازين أعمالكم وحفظكم ورعاكم ذخراً للإسلام والمسلمين وعوناً وسنداً للمكلومين والمظلومين ويداً حانية رحيمة لشعبكم الكريم الوفي ولأمتكم الإسلامية المجيدة الخالدة التي أنارت للأمم طريق الهدى والرشاد والخير والفلاح.
وختاماً فإني باسم أعضاء المجلس ومنسوبيه نكرر جزيل الشكر وعظيم الامتنان لكم يا خادم الحرمين الشريفين ولسمو ولي عهدكم الأمين على ما يحظى به المجلس من عناية ورعاية، وندعو الله أن يحفظكم ويسدد خطاكم ويؤيدكم بنصره وتوفيقه، ويسعدني أن أهنئ أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة أعضاء المجلس الجدد ومن جدد لهم بهذه الثقة الملكية، سائلاً الله تعالى أن يجعلهم ذخراً لوطنهم، وأن يعينهم على أداء مسؤولياتهم، واسمحوا لي هنا أن أشكر فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس المجلس السابق رئيس المجلس الأعلى للقضاء على ما قام به من جهود انعكست على أعمال المجلس، كما أشكر أخي وزميلي معالي الدكتور بندر بن محمد حجار نائب رئيس المجلس، ومعالي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله البراك مساعد رئيس المجلس، ومعالي الدكتور محمد بن عبد الله الغامدي الأمين العام للمجلس، ومنسوبي المجلس كافة على جهودهم الطيبة، وأسأل الله تعالى أن يديم علينا وعلى هذه البلاد المباركة الأمن والإيمان، وأن يعمنا جميعاً بالعفو والغفران، إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.