ما يزال المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي يقام كل عام في موقع (الجنادرية) في منطقة الرياض إيقاعاً تراثياً تطرب له آذان المحبين لتاريخ بلادهم القريب والبعيد، وما تزال الآثار التي تعرض في هذا المهرجان ممثلة لمراحل زمنية مضت تستهوي نفوس الذين يقرؤون في كل قطعة تراثية قديمة صورة من صور الآباء والأجداد، ولوحة بارزة المعالم من لوحات الجد والاجتهاد، والعمل والمثابرة، والتعب والمعاناة.

فكرة مهرجان الجنادرية قامت على أهمية الربط بين الأجيال الجديدة وبين ملامح ومعالم وآثار تاريخهم القريب قبل توحيد الجزيرة العربية تحت راية التوحيد باسم (المملكة العربية السعودية) وبُعيد توحيدها بعد أن أصبحت كياناً واحداً مستقلاً.

وهذا الهدف هدف نبيل، فالأجيال الجديدة في المملكة فتحت أعينها على دولة موحدة متماسكة، وعلى حياة مستقرة مترفة، وعلى طرق ممهدة قربت البعيد، وسهلت ما كان صعباً، وعلى وسائل اتصال متطورة نقلت الإنسان نقلة كبيرة ظهر أثرها في نمط حياته، وطريقة تفكيره، وأسلوب تعامله، وعلى وسائل راحة ما كانت تخطر لمن عاشوا قبلنا من الآباء على بال، سواء أكان في المنازل وما فيها من أدوات ووسائل الخدمة التي ودّع بها الناس رجالاً ونساءً أيام التعصب والعناء، أم كان في المرافق العامة والخدمات التي يجدها الناس في مجالات الكهرباء، والماء، والنظافة، أم كان في المساجد والمعاهد والكليات والجامعات والمدارس التي توافرت فيها وسائل تسهيل طرق العبادة وطلب العلم، ووسائل التعليم الحديثة.

نقلة كبيرة عاشها الآباء فعرفوا قيمتها، ونشأ فيها الأولاد بنين وبنات دون أن يروا بأعينهم ما سبقها من حياة المعاناة والتعب، فأصبحوا محتاجين إلى معرفة ملامح هذه النقلة الكبيرة.

المعارض التراثية، والبيوت التي تمثل تاريخ مناطق المملكة القريب، والأدوات والآلات التي كان الناس يستخدمونها قبل هذه النقلة الكبيرة، كلها رسائل بيان، ووسائل إيضاح يمكن أن تعرف الأجيال الناشئة بحياة قاسية سلفت، قبل هذه الحياة الناعمة المرفهة التي حدثت، ليكون ذلك سبباً من أسباب وعيهم، وشعورهم بنعمة الله عليهم، وحرصهم على شكره عز وجل شكراً تزيد به النعمة، وتستقر به الأحوال.

إشارة