من الصعب جدَّاً الحكم على أي قطب من أقطاب مجتمعنا (الحي) -مهما كان توجهه- دون الاتكاء على معلومات دقيقة منبثقة من إحصائيات أو دراسات مستنيرة؛ نتائجها مترتبة على أحداث معينة من الواقع (المعاصر) الذي يعيشه جُل أفراد المجتمع.
خلال مدة وجيزة عاصر (المواطن) السعودي وثبات حالمة عصفت بالعديد من الأفكار والتوجسات المهيمنة عليه؛ فتباين الناس -على اختلاف مشاربهم- في قبول هذه التغيرات فبعضهم آثر الانكفاء والاكتفاء بما ورثه منها، فيما سارع (المتطلعون) بثبات جزيل إلى مواكبة (التطلعات) والتنبؤ بها وبمكنوناتها الثرة فطوبى لمن قبل بها.
روت التجارب (الشغوفة) بما تحمله من نتائج إيجابية كانت أم سلبية ضعف ثقافة الانتخاب لدى بعض أفراد المجتمع بل إنها تكاد تكون معدومة عند الآخرين الذين طغت عليهم سوانح الأنا الموروثة من الأسلاف تلقيناً لا فهماً.
طرحت مؤخراً أمانة مدينة الرياض النسخة الأولى (التوثيقية) للعملية الانتخابية لأعضاء المجلس البلدي بمدينة الرياض خلال الفترة من 10/10/1425ه حتى 1/1/1426ه؛ ووصفتها ب(الناجحة!) حيث أشار أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف إلى هدف هذه التجربة وهو توثيق العملية الانتخابية بصورة شاملة لما لها من أهمية تاريخية (وطنية) وإبراز ما تشهده المنطقة من خطوات تطويرية وإصلاحية على مختلف الأصعدة؛ دليلاً (حي) على التطور الذي يشهده المجتمع السعودي؛ بما يتناسب مع خصوصيته وفكره.
تناولت الموسوعة تاريخ التجربة الانتخابية مُذْ عهد المؤسس -طيب الله ثراه- الذي قَعّد أولى صورها عام 1343هـ؛ ورسم لها الخطوط العريضة كما ينبغي لها أن تكون وما هذه التجربة إلا ثمرة لذاك الفكر الوضاء. يحق لكل مواطن أن يسأل نفسه عمّا يملكه من هذه الثقافة وغيرها؛ فالمسلمات التي يعزف عليها قد تكون أعم وأشمل من هذه الثقافة (المتبلورة) ومن سيتصفح التاريخ فسيجد الحقائق والإشارات المؤسسة لثقافة الانتخاب الموؤودة بيننا، قبل توحيد المملكة ولمِّ شملها على يد البطل عبدالعزيز كانت القرى تنتخب أميرها الذي يتولى إدارة شؤونها الداخلية والخارجية ولا يقدم على أي من الخطوات الكبرى (المصيرية) إلا بالتشاور مع (الكل) الذين يأتمرون بأمره إيماناً صادقاً منهم بثقافة الانتخاب التي ستوصلهم إلى مبتغاهم المنشود.
من سينظر إلى حال مجتمعنا الآن فسيصيبه الذهول والإحباط..؟!، رسوب وبتفوق في أول تجربة انتخابية!؛ جميع الذين فازوا بكراسي المجلس البلدي لا يتجاوزون فئتين معينتين.. لماذا..؟!؛ علماً بأن اعتراضي عليهما لا يرتبط بموقف معين بل إنني أؤيد الأصلح والأنفع منهما.. ويعود هذا التحفظ إلى أن غالبيتهم مشغولون بأعمالهم التجارية أو الدعوية ولن يفيدوا أو يستفيدوا من تواجدهم في هذه الأماكن، فهم منشغلون بأمور أخرى تفوق في أولويتها هذا المجلس ولعل الوضع الذي نعيشه الآن لهو أكبر مترجمٍ لذلك.
ومازال السؤال بذهني يجول باحثاً عن الإجابة؛ من وأد هذه الثقافة بيننا؟!.
Alfaisal411@hotmail.com