سعدت كثيراً بالمشاركة في احتفالية تدشين كرسي الجزيرة للدراسات الصحفية بجامعة الملك عبدالعزيز التي عقدت صباح يوم 17 ربيع الأول 1410هـ بحضور معالي مدير الجامعة الدكتور أسامة بن صادق طيب الذي يقود الجامعة بكفاءة عالية واقتدار كبير، وسعادة الأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس تحرير الجزيرة.. الذي أعاد للجزيرة مكانتها السامقة السابقة.. وهو - لا ريب - رائد من رواد الصحافة في بلادنا.
وأود هنا أن أنوه بكل التقدير والإكبار بهذه الخطوة الرائدة والسباقة التي خطتها الجزيرة بتبني نهج الكراسي العلمية الصحفية.. في الجامعات السعودية.. فجامعاتنا هي صروح العلم النابضة في بلادنا ذلك إن هذه الخطوة تعكس فكراً عميق الوعي.. ثاقب النظرة.. مستشرف المستقبل.. فالجزيرة حاضرة اليوم في جامعاتنا وبين يدي طلابنا بصورة واسعة.. والجزيرة اليوم حققت قصب السبق توزيعاً وحضوراً.. وكراسي الجزيرة.. هي (شراكة) مع أهم مؤسسات العلم والبحث وبناء الإنسان أو بالأحرى مع أهم مؤسسات المجتمع المدني.. ونتائج هذه الكراسي العلمية المنتظرة تنبئ بمستقبل كبير مضيء للجزيرة يعزز تفوقها. ويقودها نحو الكثير من النجاحات والمزيد من الارتقاء في مدارج التفوق بإذن الله تعالى.
فالكراسي العلمية للجزيرة سوف تحدث بلا شك نقلة نوعية من خلال تبني منظومة متكاملة تعزز القدرة على التميز.. وتبلور مفهوم التنافسية المثمرة.
إن الكراسي العلمية التي عرفتها الإنسانية منذ القرن السابع عشر الميلادي مع كرسي (هنري لوكاس) في جامعة كيمبردج، هي في واقعها برامج ومؤسسات علمية بحثية متعددة منها.. ما يدخل في إطار العلوم الإنسانية والحياة الاجتماعية بما تحفل به من ضروب الممارسة الإنسانية الفردية والمجتمعية.. ومنها ما يتعلق بالعلوم الطبيعية التطبيقية.
وجميعها يستهدف في نهاية المطاف.. رقي الإنسان وتطور المجتمع من خلال تطوير المعارف وتجديدها وتنمية الفكر وخدمة قضايا التنمية.. فالعلم هو الركيزة الأساسية لحركة البناء والنماء.. وهو منطلق الحضارة الإنسانية ومحور رقي الأمم.
والبحث العلمي هو (منبع) هذه العلوم بشتى ضروبها.
البحث العلمي.. هو الآلية المثلى لترقية الحياة الإنسانية.. هو الوسيلة الأنجح لكشف الأسقام وتجليتها وتشخيصها ومن ثم علاجها وفق أسس علمية ومعايير موضوعية سليمة.
ولذلك حرصت الأمم على الأخذ بأساليب البحث العلمي في مختلف مناحي الحياة وشؤون الأحياء.. ومن بينها قطاع الرياضة والشباب.
إذ لم يعد مقبولاً في عصر (العولمة) و(القرية الكونية) بأي حالٍ كان أن يتم تطوير قطاع الرياضة ومعالجة مشاكله وإخفاقاته.. وتحديد آفاق مستقبله.. دون الاعتماد على أساليب ومعطيات البحث العلمي.
البحث العلمي أصبح ضرورة ملحة.. وركناً أساسياً في رسم الخطط التطويرية للقطاع الرياضي بالمفهوم الشمولي للرياضة فكراً وممارسةً.
وفي بلادنا أجد قصوراً في حجم الاعتماد على البحث العلمي على الرغم من أهميته.. وعلى الرغم من الدور الكبير والفوائد الجمة التي ستعود على الرياضة والشباب فيما لو وظف البحث العلمي في معالجة مشاكل هذا القطاع والتخطيط الاستراتيجي لتنمية رياضية شاملة ترفع راية المملكة في المحافل الدولية بما يليق ومكانتها السابقة.. وأتمنى أن تستفيد الرئاسة العامة لرعاية الشباب من مراكز البحث العلمي في الجامعات.. بل وان تقوم بإنشائها.
ولقد تداعت في ذهني أثناء متابعتي لمجريات حفل تدشين كرسي الجزيرة الذي شهده حضور أكاديمي وإعلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
الحاجة الماسة إلى وجود كراسي علمية للرياضة.. بمفهومها الشمولي أو في فروعها المختلفة وظواهرها ومظاهرها المختلفة، فالرياضة اليوم باتت من مقومات التنمية المجتمعية.. بكل ما تحمل كلمة (تنمية) في تضاعيفها من مفاهيم عميقة تشمل بناء الإنسان السوي.. وصولاً إلى تعميق الأخلاقيات الإنسانية الراقية، فالرياضة اليوم أساساً حضارياً.. يقاس به تقدم الأمم.
وإنشاء كراسي للرياضة في جامعاتنا السعودية بحكم أنها مؤسسات علمية أكاديمية تمتلك البيئة البحثية.. من شأنه أن يكرس أدوات البحث بأسسه العلمية وصولاً إلى تحديد دقيق لمقومات التنمية الرياضية.. وآليات التطور الرياضي.. وسبل التفوق في المحافل الرياضية.
وإنشاء كراسي علمية من شأنه أن يحلل بأساليب علمية مواقع الأسقام ومواطن الخلل ومظاهر التعثر لتحديد أسبابها ومعولاتها.. ومن ثم تحديد سبل معالجاتها ومداواتها واجتثاثها.
وقبل ذلك فإن الكراسي العلمية للرياضة من شأنها أن تعزز دور الرياضة كرافد من روافد التنمية المستدامة لبلادنا الغالية.
وكوسيلة من وسائل تعزيز الوحدة الوطنية والانتماء الوطني.. والفخر الوطني.. ويحق لنا أن نستغرب غياب الرياضة عن (موجة) الكراسي العلمية التي شهدتها الجامعات السعودية مؤخراً بعد صدور (اللائحة) الموحدة للجامعات السعودية التي أتاحت للجامعات تبني كراسي علمية.
فلقد أنشئت كراسي علمية في شتى مجالات الحياة ما عدا الرياضة!!
يحدث هذا على الرغم من الأهمية الكبرى للرياضة.. وأجدها في حاجة أكثر من غيرها إلى تطبيقات البحث العلمي ونتائجه المبنية على أسس علمية وموضوعية بعيداً عن مثالب (الشخصانية).
هذا هو الطريق السليم والعلاج الناجع.. إذا ما أردنا لرياضاتنا أن تنطلق لتحقيق تطلعات المسؤولين وآمال الجماهير.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعو الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى الأخذ بهذا المنحى والسعي لبناء شراكات مع الجامعات استهدافاً للنهوض برياضتنا وفق أسس علمية.
وبإمكان الرئاسة حث (الفعاليات) الرياضية على تبني الكراسي العلمية لتناول العديد من القضايا والظواهر الرياضية.. لعل منها تنمية القدرة التنافسية الرياضية إقليمياً وعالمياً.. أو آليات بناء إعلام رياضي فاعل.. أو دور جماهيري مستنير.. أو إستراتيجية تنموية رياضية.. أو تربية رياضية وتنمية بدنية.. أو بث وعي رياضي أو تجسيد تلازم صحي رياضي.
لتبقى الرياضة دوماً.. حضارةً وإبداعاً.
عميد خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة الملك عبدالعزيز