من أصعب المواقف التي تمر بالإنسان أن يهدَّد من مجهول وبطريقة استفزازية فجَّة، ومن أشد الحروب النفسية أن تُهاجم من شخص غير معروف، لا تعلم مَن هو، ولا لماذا، ولا مدى صدقه وعزمه على تنفيذ ما كتب أو قال، ومكمن الصعوبة في هذا وذاك ما يعتري الإنسان من خوف غير محدود وشعوره بأن هذا التهديد قد يأخذ منحى لم يكن في الحسبان، وربما تصور المهدد برسالة جوال أو عن طريق منديات الإنترنت أن هذا التهديد قد يصل إلى القتل أو حتى الإيذاء الجسدي أو الوظيفي أو النيل من العرض بطريقة أو بأخرى، ومع أن هناك نهياً صريحاً عن هذا السلوك المشين، ومع أن القوانين والأنظمة الدولية تجرِّم هذا الفعل إلا أننا محلياً وفي ظل التقنية الحديثة صرنا نسمع ما يمكن أن نطلق عليه (جرائم التهديد عبر رسائل الجوال sms) سواء أكان التهديد منصباً على الشخص بذاته أو على أولاده في مدارسهم أو زوجته في عرضها أو ممتلكاته العينية والمالية، والقصص والحكايات التي تُروى قصص عجيبة وغريبة وربما صدرت من أناس لا يتوقّع منهم ذلك ولا يمكن أن يقترفوا أي نوع من أنواع الجرائم التي يهدّدون بها وإنما مجرد كلام, ومع ذلك هم يثيرون الرعب والهلع في نفوس المتلقين لهذه الرسائل. والملفت للنظر - كما يقول لي أحد المسئولين في القطاع الأمني- أن هذا التهديد قد لا يكون لعداوة ماضية وقد لا يعرف كل منهم الآخر وإنما منشأه التشفي ومبعثه الحسد، وقد يكون لعب صغار أو قهر كبار. لقد صار لدينا نوع من الجريمة جديد وأضحت التقنية الحديثة جزءاً من وسائل الجريمة الفردية المعاصرة في مجتمعاتنا المحلية فضلاً عن دورها المعروف في جرائم الإرهاب والتضليل الفكري والعقدي والسياسي، وتختلف وجهات نظر من قابلت إزاء رسائل التهديد التي تصلهم بطريقة أو بأخرى، إذ إن هناك من يرى التجاهل وعدم التقدم بشكوى للجهات الرسمية مع وجوب تغيير رقم الجوال فوراً وكأن شيئاً لم يكن، وهناك من يرى وجوب إبلاغ الجهات الرسمية ومتابعة القضية واعتبارها شروعاً في الجريمة وعدم أخذ الأمور ببساطة خاصة إذا تكرر التهديد وتنوَّعت الصيغ وتعدّدت الأرقام، وقد يسيطر على البعض منا الخوف والوجل ويعيش بقلق وعدم استقرار ونوم حتى يعرف من المرسل أو الكاتب المتهجم والمتوعد والمهدد، ومع أن الأكثرية هم من الصنف الأول لاعتقاده بصعوبة الأمر وطول الإجراءات وربما عدم اكتراث الجهات الرسمية في بعض المناطق بمثل هذا النوع من الجرائم - لانشغالهم بما هو أهم - وحتى لا يدخل في صراعات حقيقية في ظنه أو يكتشف أن هذا التهديد صادر من قريب أو صاحب وحبيب، إلا أنني أعتقد خلاف ذلك وأجزم أن هذا النوع من الجريمة سوف يزداد إن لم تكن هناك توعية واسعة وعقوبات رادعة وفضح وتشهير من الجهات الرسمية عبر الصحف وفي المنتديات، وقد سمعت الأسبوع الماضي حكايتين مؤلمتين، والغريب أن التهديد في الحالة الأولى كان على يد امرأة وفي الحالة الثانية من مراهق وبعد التحقيق والسؤال ظل الأمر غامضاً وما زال، والدوافع هلامية وغير منطقية ولا يعرف أي منهما الآخر بشكل كبير ومباشر، وهذا بالنسبة لي حتى هذه اللحظة لغز!! في ذات السياق - سياق الجرائم الجديدة - أتاح سهولة الحصول على السلاح الأبيض والتفنن في شكله وحدته وصغره ووجوده في كثير من محلات الرحلات والقنص بشكل ملفت للنظر وفي متناول الجميع، أتاح هذا الأمر وسهل وقوع الجريمة التي قد تصل إلى القتل أو الانتحار وهذا وذاك أعلى درجات العنف وأشنعها وهما نتيجة متوقّعة لسلسلة من الأزمات النفسية والاجتماعية المتتالية كما يقول أهل الاختصاص والخبراء، وقضايا الطعن في المشاجرات التي تحدث عند أبواب المدارس وفي مباريات الحواري والشوارع والاستراحات قضايا تثير القلق وتدعو إلى التفكير الجدي والسريع لاحتواء المشكلة قبل أن تستفحل ولا يمكن بعد ذلك التصدي لها، ومع كل الجهود المثمنة والدائمة من رجال الأمن إلا أن الأمن المجتمعي والرقابتين الذاتية والاجتماعية غائبتان غالباً أو على الأقل ليس لهما الأثر الفعَّال في مكافحة الجريمة التي باتت تهدد الجميع!! وليس من المنطق أن يكون مع كل واحد منا رجل أمن يسير كالظل له لا يفارقه أبداً، فلنكن نحن رجال أمن وحراس وطن وجنود حق، ودمت عزيزاً يا وطني والسلام.