عوّدنا أقلامنا وألسنتنا عند الاسترسال في مناقشة أي قضية كانت على الاهتمام بهامش جدلياتها؛ بل التركيز على الأجزاء المثيرة فيها دون الرجوع أو حتى الالتفات إلى جوهر الحكاية.
(مكنونها)؛ فمجرد التطرق إليه سيزيح الستار عن الحقيقة (المقصاة) وسيفني وقود الهالة الصفراء (الزائفة) وعندها لن يكون هناك مكان إلا للحقيقة البيضاء التي طالما استبعدها أصحاب الأهواء الفكرية (السانحة). كانت حادثة جيزان بمثابة الصدمة المروّعة (المخيفة).. كيف لا؟! طرد إعلامية سعودية من خشبة المسرح وأمام الحضور وعلى الهواء مباشرة!.. فعلاً إنه تصرف مشين. بهذه الطريقة تناول هذه القضية بعض الكتَّاب والصحافيين ناسين أو متناسين في سياق هذا الحدث المنطلقات الأساسية فيه، فصبّوا جام غضبهم على د. إبراهيم عباس المشرف على اللجنة العلمية بمؤتمر أمراض الدم الوراثية بجازان - الذي وقعت على يديه الواقعة - ولم يتطرّقوا إلى تصرف سمر رباح المندهشة من ردة فعل د. عباس العفوية أو الطبيعية - إن صح التعبير -، الذي أعرفه أن لكل مؤتمر أجندة مقنّنة، ووقتاً محدداً، وضيوفاً معينين، وفيما يخص الجانب النسائي، فالمتعارف عليه أن تكون هناك قاعة نسائية مربوطة بالشبكة التلفزيونية وعن طريقها يمكن للمشاركات أن يدلين بآرائهن بكل صراحة ووضوح, فالمؤتمر قائم على قوانين وأنظمة معينة فلماذا التجاوز؟! فرئيس المؤتمر قَبِل بمشاركة سمر على الرغم من أن ورقتها لم تكن مدرجة ضمن الأجندة، وهذا هو الخطأ الأول الذي وقعت فيه وتغاضى عنه د. عباس، أما الثاني فهو عدم التزامها بالجلوس في المكان المخصص للنساء، حيث توجهت إلى المنصة الرئيسية مباشرة لتلقي ورقتها؟! ولن أقول بأن سمت مجتمعنا السعودي ووقاره لا يسمح للمرأة بأن تكشف وجهها للرجال من دون مبرر وأن تتحدث أمامهم بشكل لا يتناسب ولا يليق بالمرأة السعودية، ولكنني سأكون منصفاً وواقعياً وسَأحكِّم المنطق فلو كان نظام المؤتمر يسمح بظهور النساء على مسرح الرجال لم أكن لأعترض على ذلك من الناحية النظامية لا الاجتماعية ومن سيعارض ظهور أي امرأة في هذا الموقف فسيجانب الصواب بكل تأكيد، فالنظام ينص على ذلك, فجلسات الحوار الوطني - على سبيل المثال - تشارك فيها النساء عبر الشبكة التلفزيونية بكل دقة واحترام، ولم يعترض أحد على ذلك، فنظام الجلسات هو الذي يحدد أبعاد المشاركات وأوضاعها؛ إذاً لماذا التنطُّع والاقتصار على فعل الدكتور عباس الذي لم يطلب منها سوى الالتزام بنظام المؤتمر وقوانينه والتوجه إلى الصالة النسائية لتتفضَّل بإلقاء كلمتها, فرئيس المؤتمر أو مدير الندوة هو المسؤول الأول عن كل ما يدور فيها ولديه أنظمه وقوانين ووقت يحكمه، فصحة جازان شكرت للدكتور عباس حرصه على تطبيق الأنظمة وقدَّرت للإعلامية رباح تجاوبها لتعليمات المشرف على المؤتمر وتقديم ورقتها التي طرحت دون الرجوع أو التنسيق مع الرئيس من مكان جلوسها لا من قاعة النساء كما ينص النظام وهذا هو أبرز ما جاء في التصريح الرسمي الذي أدلت به صحة جازان ونشر في صحيفة الجزيرة يوم الاثنين السابع عشر من شهر ربيع الثاني لهذا العام 1430هـ, وكم تمنيت من الزملاء الذين تناولوا القضية لو كانوا أكثر عدلاً وإنصافاً عند حكمهم على الأفعال, لئلا نقع في المحظور فننسى سمتنا السعودي النبيل!