الاستقامة في السلوك، والقناعة بالواقع، والمضي قدماً بإيجابية في مسار الحياة الطبيعي قاعدة أساسية من قواعد حياة الإنسان ذكراً كان أم أنثى. فالإنسان يولد على الفطرة، وتوكل مهام ومسؤوليات وأدبيات تنشئته الاجتماعية والدينية والسياسية لوالديه وأسرته، ومن ثم بعد أن يخرج من مظلة الأسرة إلى مظلة المجتمع يضطلع بتلك المهام المجتمع كل المجتمع بمختلف مؤسساته الرسمية خصوصاً المؤسسة التعليمية.
بيد أن الأحداث وتطوراتها، تحديداً مناسبات ومواقع الاحتكاك الخاطئة بين الإنسان (الشباب) وبين من نذروا أنفسهم لعالم الشر والضياع والمروق والتشتت، الفئة التي خرجت على المجتمع وعلى الدولة والشرع، عادة ما تسهم حالات الاحتكاكات الفكرية معهم إلى خروج البعض من الشباب عن تلك القاعدة الإنسانية القويمة خاصة ممن ضعفت عقولهم وهانت عليهم نفوسهم.
صحيح أن الحماس والنشاط وعوامل اجتماعية وسياسية خارجية أخرى مساعدة تسهم في تقبل بعض الشباب لبعض الأفكار الضالة والمضللة بعد أن يقعوا فريسة سهلة لعمليات استلاب فكري مكثفة في مواقع تجمعات سرية أو مشبوهة، لكن محصلة تلك الحقيقة تكمن فيما يحدث بعد ذلك من ضياع وتشرد.
وهذا ما اتضح من تصريحات أقارب كل من شارك في عمليات انتحارية إرهابية خصوصاً من الأمهات الثكالى، اللاتي فطرت قلوبهن ودمرت بعد أن اكتشفن وعلمن ما فعلته أيدي أبنائهن بعد أن ضلوا طريق الحق والصواب وركبوا مراكب الضياع والمروق على مجتمعاتهم التي قدمت لهم كل شيء وقدموا لها الدمار والخراب وإراقة الدماء البريئة.
لن نذهب بعيداً في سرد الحقائق، حقائق حرق قلوب بعض الأمهات على ما جرى وحدث لأبنائهن بعد أن نفذوا مخططات الشياطين الجهنمية، وبعد أن ذهبوا ضحايا رخيصة لمؤامرات خارجية، ولفكر سياسي منحرف وضال، ولخطاب عقدي مشبوه.
على سبيل المثال لا الحصر، أكدت والدة أحد الإرهابيين اليمنيين الذين استهدفوا سياحاً كوريين في اليمن قبل عدة أشهر، أكدت أن ابنها كان مؤدباً وهادئاً ويتمتع بأخلاق حميدة، ومحبوب من كل من يعرفه. وأشارت إلى أنها أشرفت على تعليمه وتهذيبه وتقويمه في المدارس الخاصة وحتى دخول المدارس العامة.
لكن ابنها الشاب عبدالرحمن الذي لم يكمل السابعة عشرة من عمره بدأ يتغير بشكل ملحوظ بعد أن أمضى بعضاً من الوقت مع بعض زعماء وخطباء الضلال (في منطقة قريبة من موقع سكناهم)، الذين خدعوه بمنطقهم المعسول الواعد، واستلبوا فكره وعقله بخطابهم الحماسي التحريضي المشبوه، وأقنعوه ليقوم بتنفيذ تلك العملية الإرهابية التي أودت بحياته وحياة الكثير من الأبرياء.
نعم لقد صعقت تلك الأم الثكلى وانهارت تماماً بعد أن علمت أن ابنها تسبب في موت نفسه وموت الآخرين لأسباب واهية ولمبررات عقيمة لا يتقبلها عقل إنسان عاقل. ها هي تلك الأم التعيسة تواجه تلك الحقيقة المؤلمة وذلك الجرح القاتل الذي سيبقى في قلبها ما بقيت على قيد الحياة.
المشكلة أن عبدالرحمن اليمني الضحية، وغير عبدالرحمن من الضحايا، وعبدالرحمن آخر ضحية، ستتواصل مسيرات جنائزهم طالما بقي ذلك الفكر المنحرف ينخر في عقول الشباب، وطالما كان هناك بعض من الشباب الذين لم تحصن عقولهم بأمصال ومعلومات وثقافة فكرية مضادة لفكر الضلال وخطابه ولمنطقة المنحرف. إن فكر الضلال مرض عضال وجرثومة خطيرة لا بد من مواجهته بتحصين عقول الشباب، كل الشباب، منذ نعومة أظفارهم وحتى تخرجهم من الجامعات حتى لا تكثر أعداد الثكلى من الأمهات.
drwahid@email.com