الصغيرة بنت الخامسة تعد على أصابعها سنوات عمرها، تستلهمها العجلة لتصل إلى الرقم التاسع عند الإصبع السبابة في يدها اليسرى وتقف هناك، تلتفت لأمها محتجة أن بونا شاسعاً بين الرقم الخامس عند الإصبع الإبهام في يدها اليمنى؛ حيث هناك تستقر حقيقة أنها في الخامسة، وبينه، فمتى تصل للتاسعة فيكون الوعد من أبويها قابلا للتنفيذ؟
وحين تسمع لبكائها، وترى الإصرار في عينيها وتسمع ما تقول، تعلم أنها تريد اقتناء جهاز كمبيوتر محمول، كما الذي لدى كل فرد يتحرك حولها من الكبار والصبيان والفتيات.. وبالأمس، الصغيرة عائدة من روضتها، كانت في العربة صامتة تفكّر، وفجأة توجهت لأمها بسؤال بريء: هل جدي في الجنة؟.
. أجابتها أمها: إن شاء الله هو كذلك...، فأسرعت تتم: إذن عنده (لاب توب)؟... ضحكت أمها وسألتها: أغاية ما تتمنين هو (اللاب تووب).. قالت: نعم...
لوحة مكبّرة لما يدور في الحياة اليومية، وفي مجال أحلام الصغار حين يكون لديهم أبوان يفكران معهم بصوت عال، فليس كل منجز مستخدم من معطيات العصر قابلاً لأن يستخدم بشكل لا انضباطي، فمن حيث هو وسيلة للتعليم في المدرسة؛ حيث تقدم عنه المعلمات أناشيدهن، وصور محتويات المنهج التعليمي لمهارات يكتسبون معارفها بالصورة والصوت، فهو أيضا ليس من الأجهزة التي يمكن أن تتاح لمن هو في هذا العمر من الصغار، فهناك وسائل كثيرة تتناسب مع مرحلة عمرهم بينما الأغلبية من الوالدين يتيحون لصغارهم استخدام جهاز الكمبيوتر بشكل مفتوح ظنا بأنهم لا يزالون صغارا، لا يدركون بل لا يعرفون استخداماته العديدة.. الصغيرة أكدت لأمها أنها تريد أن تتخاطب مع زميلتها في الجهاز؛ حيث قالت لها بأن زميلتها في الروضة تتحدث مع أخرى معهما عن طريقه، ولديها بعض مصطلحاته التي التقطتها من القاموس اليومي لمن حولها، وممن تجلس إليهن في المدرسة من الساعات ما لا يقل عن خمس في اليوم الواحد..
ولئن كانت خبراتها بريئة سطحية، فيها من الأخطاء ما ينم عن طفولتها البكرة جدا، وبراءتها، لكن المرء الذي هو بأصغريه (قلبه ولسانه) أمانة في أيدي الآباء والأمهات والمربين والمعلمين ليحصنوهم من جراثيم كل مستحدث، وإن كان منجزا واسع الفائدة كهذا الجهاز.. لكن تبقى له مثالبه إن ترك لعبث البراءة ونقاء الفطرة.. وتحديداً عندما يحتوي تطلعاتهم وأحلامهم ويداعب مخيلاتهم لدرجة أن يكون متعة من متع الجنة في خيالهم.