قد أفهم لو أن الذي تسبب في تردي الحالة المرورية جهة خارجة عن مؤسسات الدولة، فحينما أقف في نقطة تفتيش -مثلاً- تبحث عن الإرهابيين أو مروجي مخدرات أو المتاجرين بالأسلحة -لا فرق- ويطول الانتظار، أقدر هذه الحالة، وأتحملها بكل رحابة صدر، وأشعر أن البلد محكوم، وأن هناك عيوناً يقظة ستلاحق هؤلاء الأوغاد السفلة أينما وجدوا. أما أن يضيع المواطن بين مؤسسات الدولة، هذه تلقي المسؤولية على تلك، ونعاني نحن، فهذا ما يتطلب أن نقف عنده، لأنني كمواطن يهمني في النهاية الخدمة، التي تضطلع بها مؤسسات الحكومة، ولا يهمني بعد ذلك مَن المسؤول، أهي هذه الجهة أم تلك، فالتماحك (البيروقراطي)، وإلقاء تبعات التقصير على هذه الجهة وتبرئة الأخرى، لست كمواطن مسؤولاً عنها، فالتقصير بالنسبة لي مسؤول عنه المرور أولاً وأخيراً، الذي هو المعني بالخدمة، وإذا أعاقته مؤسسة أخرى، كوزارة المالية مثلاً، فهو أيضاً (مقصر) لأنه عجز أن يدافع عن مسؤولياته أمام إعاقات الآخرين. هناك أكثر من أسلوب، وطريقة، للضغط في اتجاه حماية (صلاحياتك) من تعديات الآخرين.
مدير عام المرور السابق اللواء فهد البشر (حمّل وزارة المالية المسؤولية عن تردي النقل العام مؤكداً أن رفضها لدعم هذا القطاع الحيوي أدى لترديه وبالتالي الاعتماد على المركبات الخاصة وانتشار السيارات المتهالكة مما تسبب في وجود كثافة عالية للسيارات في الشوارع وعلى الطرقات بين المدن، مؤكداً أن الدعم الحكومي يقف خلف نجاح النقل العام في الدول الأخرى).
حجة اللواء البشر ربما تكون صحيحة، فهناك كثير من (الخدمات) التي تضطر الدول إلى (إعانتها) مالياً في كل دول العالم، نظراً لأهميتها، وتأثيراتها الإيجابية على المجتمع في النتيجة. غير أن تقاعس وزارة المالية، أو بلغة أدق (تقصيرها) لا يهمني، فالمواطن ينظر إلى الحكومة ككيان متكامل، يجب أن يشد بعضها بعضاً. فالمسؤولون في المرور هم جزء من تشكيل هرمي للسلطة الحاكمة، و(المدير) الناجح هو الأقدر على العمل المتابعة والإلحاح، واتخاذ الوسائل داخل الجسم البيروقراطي للدولة، سواء من خلال المستويات الموازية في الهرم الحكومي، أو المستويات الأعلى، بالشكل الذي يفضي في النتيجة إلى تحقيق متطلبات واجباته الوظيفية، ويصب في مصلحة أدائه للمسؤوليات الملقاة على عاتقه على أفضل وجه.
كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة: إن إدارة المرور مسؤولة مسؤولية مباشرة أمام المواطن والمقيم عن الحالة المرورية (المزرية) التي يئن منها الجميع في مدن المملكة الرئيسية هذه الأيام، وهي كذلك المسؤولة عن غياب (النقل العام) المنظم، والذي ترتب على غيابه هذا الازدحام المروري الذي تعاني منه المدن، وكذلك استخدام الناقلات المعدة لنقل البهائم ليتنقل عليها الإنسان بصورة مخجلة يندى لها الجبين. أما الأسباب والدواعي والبواعث التي خلقت هذه الظاهرة (ومنها ممانعة وزارة المالية لإعانة النقل العام)، فهي قضية لا علاقة لنا بها، (تذليلها) يبقى من أولى مسؤوليات الإدارة العامة للمرور، هذا ما نريد من المدير لعام الجديد للمرور العميد سليمان العجلان أن يتنبه إليه.
إلى اللقاء،،،