شاع في عصور الانحطاط والتخلف الثقافي وجود طبقة من المتحدثين عرفوا ب(القُصَّاصين) والحكاواتيه، لا هم بالأدباء أو العلماء أو الدعاة أو الوعاظ أو الحكماء.....!! ولا يعون أو يرضون أو يقتنعون أنهم ليسوا ب(أولئك)...فهم أشتات من هذا وذاك.. وأجزاء من عناصر لا علائق عضوية بينها أحيانا.
** قوام ثقافتهم ما شاع من عبارات وعضات وما اشتهر من أمثال وحكم وأبيات وطرف ونكات.. وغايتهم الارتزاق والاشتهار في الآفاق.. كانوا حصيلة عصر.. ومنتج لمأزقه الثقافي.. وأزمته الحضارية والوجودية.. وهم (أزمة) كل عصر ومثال المآزق فيه.. وكانت البيئات التي تحفل بأولئك وتقدمهم في تظاهراتها ومحافلها.. وتغدق عليهم الإعجاب.. بيئات جاهلة.. وتجمعات أمية مستلبة إلى غير هدف أو اتجاه.. مأخوذة بالمسلاة.. والانفعالات الآنية وتزجية الوقت أو تضييعه وقتله.. والتنفيس عن العاطلين.
** ولأننا نستعيد ظروف تلك العصور.. وتتناغم ثقافتنا ومستويات الوعي لدينا مع ظلالها.. فقد اشتغلت بعض الوسائط الإعلامية على تلك النماذج وقدمتهم للناس بصيغة عصرية.. فألفينا نماذجهم تتوالد وتتناسخ.. وكل له جمهوره ومريديه.. لأننا في عصر يستوعب كل شيء.. والمتاجرة فيه باتت تراهن على كل شيء.. لا فروقات أو حدود بين القيم.. عاليها وسافلها.. ثمينها والمبتذل منها.. اختلطت الهوام بالعوام بدواب الأرض وما فيها.
** أحدهم.. رام قياس الوعي والالتزام الديني.. فوقف في الشارع يسأل السائقين عن من يعرف منهم دعاء ركوب الدابة ويلتزم بآداب القيادة..؟ وكان ذلك في شوارع (عاصمة عربية) تشكل نموذجاً للفوضى (المدهشة) والتخلف السلوكي والتعاملي (الخلاَّق).
** ولأن (المذيع القصاص الكريم) يتمثل قيم الدين وجوهر الالتزام بشكل لا يضاهيه فيه أحد.. فهو يتباسط مع ضيوفه ويسألهم: لو كان الرسول عليه صلوات الله وسلامه.. يقود السيارة، هل سيربط حزام الأمان..؟ وتترى أسئلة وأحاجي وفكاهات فجَّة.. تدور في فلك تتبدل معه حالة استنزال الدين ورسوله صلى الله عليه وسلم أجلَّ الله تعالى دينه ونبيه على تفاصيل غاية في الضآلة والسخف والصغار.. يمكن أن تعكس طبيعة (الضحالة الفكرية والأنيميا المعرفية) التي تحكم أولئك وتحركهم.
**.. وإذا كانت الفضائيات حبلى يلدن كل جديد... فإن فضائية ذلك الكريم.. نموذج لوحدها في تسويغ وإشهار وتبرير كل ما تعف عنه المروءة.. وتأباه المسئولية الأخلاقية والمبدأ القويم.. والمحبط والمفجع في (حالات وظواهر) كهذه.. أنها تتسلل إلى منابت الوعي في الجماهير.. ومن ثم تصبح مثالاً ينسج على منواله آخرون.. يرومون الاستزادة من هشيم الحطام الأثيم.. ولن يعدم أولئك (مسوغات) تبرر لهم قبح المسلك ونقيصة الاختيار.. مادام الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة...........!