لعل من أهم المشكلات التي نواجهها في مجتمعنا هو التأخر في التعامل مع القضايا والمشكلات حتى تتعقد ويصعب علاجها، ويكون التدخل فيها أكثر كلفة ويستغرق وقتاً أطول بل ويصبح التدخل موجهاً لما أفرزته تلك القضايا والمشكلات من نتائج، بدلاً من أن يكون موجهاً لعلاج المشكلة من جذورها.
إنّ إغفال دراسة ومعالجة المشكلات الأسرية في مجتمعنا، التي سبق الحديث عنها، سيُفاقم من المشكلات الأسرية بل والمجتمعية بوجه عام، فالتأثير الذي مازال للوازع الديني في نفوس الأفراد وما تبقى من عادات وتقاليد اجتماعية أسرية يُخشى أن يضعف مع مرور الزمن وبتأثير العولمة، وبالتالي تضعف الروابط والعلاقات الأسرية ويزداد التدهور في الحياة الأسرية وتتفاقم المشكلات سوءاً. كما يُخشى من التدهور في القيم الأسرية التي تميّز بها مجتمعنا السعودي عبر الزمن والمبنية على الدين والعادات الحميدة.
إنّ الأسرة هي الوحدة التي يتكون منها المجتمع وأهم مؤسسة اجتماعية، وهي أساس في تكوين أفكار الفرد وسلوكياته وصلاح الأسرة يقود إلى صلاح المجتمع، ومن هنا لا بد من إيجاد السبل الكفيلة بدعم الأسرة وعلاج المشكلات التي تواجهها لتقوم بوظائفها الأساسية، وهذا يقتضي تواجد جهة محددة قادرة على مجابهة مسببات المشكلات والتصدي لها من جذورها، قبل أن تستفحل المشكلات وتتحوّل إلى ظواهر يصعب التعامل معها فيما بعد.
وأمام ذلك فهناك ضرورة لإنشاء هيئة أو مجلس يختص بالأسرة، حيث بات ذلك مطلباً ملحاً في وقتنا الحاضر أكثر من أي وقت مضى، ويمكن أن يكون ذلك من خلال إنشاء ما يُمكن تسميته (المجلس الأعلى لشؤون الأسرة)، وهذا ينسجم مع الاهتمام الذي يوليه ولاة الأمر، وفّقهم الله، لقضايا الأسرة والعناية الخاصة من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أيّده الله، للأسرة، لإيمانه بأهمية دورها والذي جلا واضحاً في القرارات والإجراءات التي تبنّاها مجلس الوزراء مؤخراً لمعالجة مشكلة العنف الأسري والحدّ منها. ولأهمية هذه الهيئة ودورها في المجتمع، فقد تبنّت بعض الدول، ومنها العربية، هذا المشروع.
إنّ هذا المجلس المقترح سيكون له دور حيوي في المجال الأسري، حيث سيُسهم في وضع الاستراتيجيات ورسم السياسات المتعلقة بشؤون الأسرة وقضاياها، والتنسيق بين مؤسسات المجتمع المختلفة المعنية بشؤون الأسرة في تنفيذ الاستراتيجيات، والتنسيق لمنظومة خدمية متكاملة للأسرة ومعالجة قضاياها بمنهجية حديثة ومتطورة، منطلقةً من قيمنا وثقافتنا الإسلامية. فهناك عدد من المؤسسات والجهات التي تتعامل مع قضايا الأسرة وتقدم خدماتها لها لكنها مشتتة ليس بينها رابط وتفتقد التطوير والمبادرة.
كما يسعى المجلس الأعلى للأسرة إلى الوصول إلى حلول عملية للمشكلات العصرية التي تواجه الأسرة السعودية، والاهتمام بمعالجة قضايا فئات من النساء هُضمت حقوقهن، كالمطلقات والأرامل ومن في حكمهن كالمعلقات والمهجورات، وتمكينهن من حقوقهن التي كفلها الإسلام وضمنتها الدولة، بالإضافة إلى سعي المجلس لتصميم وتخطيط برامج تعمل على زيادة الترابط الأسري وتقوية العلاقات بين أفراد الأسرة، واستشراف القضايا والظواهر الأسرية المستقبلية، كما أنّ هذا المجلس يُسهم في تقديم الاستشارات للمؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالأسرة، كالمؤسسات القضائية والدينية والاجتماعية والتعليمية والصحية والشبابية، لتكون أكثر فاعلية في التعامل مع المستجدات والمعطيات في ضوء الالتزام بالثوابت الدينية.
* أستاذ الخدمة الاجتماعية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية