تحقيق الأمن الفكري والتصدي للفكر الضال لا يقتصر على جهة دون أخرى، بل هو مسؤولية يشترك فيها الجميع؛ لأن في انتشار هذا الفكر زعزعة للأمن وتقويضاً لاستقراره بما يفضي إلى شلّ حركة الحياة وتعطل المصالح العامة، بل وحتى العبادات، والدولة بجميع مؤسساتها تبذل جهوداً مضنية في توطيد الأمن وإرساء دعائمه...
...ومن ذلك مكافحة هذا الفكر، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بحكم مسؤولياتها الشرعية تشارك في خط المقدمة الأول ضد الأفكار الضالة والمنحرفة ومعالجتها وقد قامت الوزارة بجهود أساسية في هذا المجال، انطلاقاً من المسؤوليات والمهام الموكلة إليها فأمن بلادنا ليس مسؤولية الأجهزة الأمنية وحدها بل مسؤولية جماعية يقوم بها الجميع من علماء ودعاة وتربويين وإعلاميين ومفكرين كل في مجاله والجميع شركاء في المسؤولية، وأصحاب الفضيلة العلماء، والدعاة، وطلبة العلم، ورجال الفكر والقلم، والأكاديميون عليهم مسؤولية عظيمة في تبصير الناس، وتنوير الشباب خصوصاً، ليواجهوا مثل هذه الأفكار المنحرفة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم ويقفوا صفاً واحداً تجاه الأفكار المنحرفة والمتطرفة، البعيدة كل البعد عن منهج الإسلام وسماحته واعتداله.
وأعدت الوزارة خطة تنفيذية لتحقيق الأمن الفكري ومكافحة الفكر الضال، وتم تشكيل فريق عمل من طلبة العلم يتولى الإشراف على تنفيذ هذه الحملة من خلال مناشط منبرية وإعلامية، ومحاضرات وندوات ومؤتمرات وطباعة كتب ومنشورات، والتأكيد على خطباء المساجد بتخصيص بعض خطب الجمعة لتبيان حرمة دم المسلمين والمعاهدين، وحرمة الإفساد في الأرض، وبيان تلبيس الفئة الضالة وافترائها، وفساد معتقدها ومنهجها، والجرائم الفظيعة التي ارتكبتها، والتحذير من فتنتها، ودحض حججها، وكشف شبهها وإجرامها في حق الوطن وولاة الأمر والعلماء وأمن المجتمع ومقدراته، واستنكار ما قامت به من الإخلال بالأمن والقتل والتدمير، وإشاعة الفوضى، وتفريق الكلمة ووحدة الصف، وبيان الأحكام الشرعية في جرائمها وأفعالها الآثمة وتضمنت جهود الوزارة العديد من المناشط والأعمال التي جاوزت ثمانية عشر مليون منشط من خلال محاور عديدة.
ومن ناحية التأصيل الشرعي، فإن مصطلح الأمن الفكري مرتبط بمصطلح الغلو ارتباطاً وثيقاً، كون الغلو من أكبر أسباب فقدان الأمن الفكري، ويمكن هنا أن نقف مع تعريفات للغلو والمصطلحات المتعلقة به:
تعريف الغلو:
الغلو: مأخوذ من (غلا):(أي: زاد وارتفع وجاوز الحد)1 ويقال الغلو في الأمر والدين: كما قال تعالى: {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}2
وأما في اصطلاح أهل العلم فهناك أكثر من تعريف وهي متقاربة في المعنى ومنها:
1- تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الغلو: مجاوزة الحد، بأن يزاد في الشيء، في حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك) وبنحو هذا التعريف عرَّفه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله3
2- وعرفه الحافظ ابن حجر رحمه الله بأنه (المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد)4
وقد شهدت الساحات الإعلامية والثقافية مولد مصطلحات كثيرة ذات صلة بالغلو، ولعل من أشهر تلك المصطلحات: (التطرف، والأصولية، والإرهاب..) بل إن هذه المصطلحات تستعمل في وسائل الإعلام أكثر من مصطلح الغلو.
والتطرف في اللسان العربي مشتق من (الطرف) أي (الناحية) أو (منتهى كل شيء). وتطرف (أتى الطرف)، (وجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط). فهو قريب من معنى الغلو. (والتطرف (مصطلح يضاد مصطلح (الوسطية (الذي هو من الوسط (الواقع بين طرفين)، كما يقول الأصبهاني في مفردات غريب القرآن. وهو يحمل في طياته معنى (العدل).
وفي القرآن الكريم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}5 أي أمة عدل.
أما الأصولية: فلم يعرف هذا المصطلح في اللسان العربي أنه مقارب لمعنى الغلو بل هو عكس ذلك تماماً إذ يدل من اشتقاقه اللغوي على أنه الأصل، والأصل لا يمكن أن يكون زائداً على الحد، بل إن الأصولية في اللسان العربي تعني التمسك بالأصول، وهو أمر محمود، أو تشير لعلم أصول الفقه - أحد أهم علوم الشريعة الإسلامية - وهو علم محمود أيضاً.
والأصولية باعتبارها مصطلحاً يدل على الغلو ليس عربياً ولا إسلامياً وإنما هو مصطلح غربي حيث جاء في معجم (وبستر) مصطلح أطلق على حركة احتجاج مسيحية ظهرت في القرن العشرين، تؤكد على ضرورة التفسير الحرفي للكتاب المقدس كأساس للحياة الدينية الصحيحة. وهو يطلق أيضا على أية حركة أو اتجاه يشدد بثبات على التمسك الحرفي بمجموعة قيم ومبادئ أساسية.
وأما الإرهاب فهو مشتق من رهب أي خاف في اللسان العربي6 والخوف والتخويف قد يكون محموداً في مواضع ومذموماً في مواضع أخرى وإن كان في الغالب أنه مذموم في خوف الخلق من غير الله تعالى. ولم يعرف الإرهاب كمصطلح في اللسان العربي كما هو شائع الآن، وقد أصبح هذا المصطلح مصطلحاً عالمياً، بل صار معياراً للتفريق بين الدول والهيئات.
ومصطلح الإرهاب في تعريفه اختلاف كبير، ومع أن القضية لها وجه قانوني من طبيعة القضايا القانونية أنها محددة إلا أنها تحولت إلى كونها إعلامية، وأضحى استخدام مصطلح (الإرهاب) نوعاً من الإرهاب الفكري، وهناك عشرات التعريفات لجهات رسمية وعلمية في أنحاء العالم لم تتفق على معنى واحد لأن الغرب يحاول أن يفسر الإرهاب تفسيراً يتوافق مع سياساته وأهدافه، ومن ثم يدخل فيه كل من يخالفه أو يقاومه، كما يريد أن يخرج تجاوزاته من هذا المفهوم.
ونحن هنا يهمنا الحديث عن الغلو في المعنى الشرعي كما جاء في النصوص وكما جاء في أقوال أهل العلم الراسخين قديماً وحديثاً وسنركز الحديث عن الغلو الواقع في بلاد المسلمين ومن أبناء المسلمين على أنفسهم وعلى بلادهم خاصة في الأحداث الأخيرة التي مرت بالمملكة وأدت إلى زعزعة الأمن وسفك الدماء وإتلاف الممتلكات.
مظاهر الغلو:
للغلو مظاهر كثيرة نوجز أبرزها فيما يلي:
1- تغيير المنكرات باليد واللسان دون مراعاة للضوابط الشرعية والقاعدة في تغيير المنكرات ما ذكرها الإمام ابن القيم7 وغيره من أهل العلم أن تغيير المنكر على درجات:
الأولى: أن يزول المنكر.
الثانية: أن يخف.
الثالثة: أن يزول ويخلفه مثله.
الرابعة: أن يزول ويخلفه منكر أكبر منه.
فالأولى والثانية واجبتان والثالثة محل اجتهاد والرابعة يحرم الإنكار فيها.
وهذه القاعدة العظيمة في تغيير المنكر مأخوذة من القواعد الكلية للشريعة الإسلامية ومنسجمة مع مقاصدها العظيمة، والدين جاء بتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، قال تعالى {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} 8
2- الغلو بالتكفير:
تكفير المسلم والحكم عليه بالردة والخروج من الملة مسألة عظيمة يجب الاعتناء بها والتحذير من الجرأة عليها إذ إن القاعدة المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة أن من ثبت له عقد الإسلام بيقين فلا يخرج منه إلا بيقين وقد جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من تكفير المسلم بغير حق كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} 9
وجاء في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة وعبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه)10
ومن مظاهر الغلو في الدين الجرأة على التكفير سواءً كان تكفير الأعيان كتكفير الحكام أو العلماء أو كان تكفير الأنظمة الحاكمة وتكفير المجتمعات في العالم الإسلامي، وقد ترتب على هذا الغلو مفاسد عظيمة أخرجت هؤلاء الغلاة عن منهج الإسلام المعتدل إلى سلوك جادة الخوارج في استحلال دماء المسلمين وأموالهم.
ومن صور الغلو في التكفير ما يلي:
عدم التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين.
الجرأة على تكفير المعين دون مراعاة لشروط التكفير وموانعه.
وقوع التكفير من غير أهل العلم الراسخين.
التسلسل في التفكير وإطلاق قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر دون علم بمفهومها.
هـ -الخروج بالتكفير عن إطاره الشرعي وتوظيفه توظيفاً سياسياً.
3- الغلو بشق عصا الطاعة والخروج على ولاة أمر المسلمين:
وقد جاءت الأدلة الشرعية على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين بالمعروف وتحريم منازعتهم أمرهم والخروج عليهم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}11، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) رواه مسلم12
فالخروج على الولاة أساس كل شر ومنبع كل فتنة كما نص على ذلك كثير من أهل العلم قديماً وحديثاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان؛ إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته)13
وقال رحمه الله: (وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان؛ إلا كان ما تولد على فعله من الشر؛ أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضاً، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء) 14
قال: (وغاية هؤلاء إما أن يَغلِبوا، وإما أن يُغلَبُوا، ثم يزول ملكهم، فلا يكون لهم عاقبة، فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقاً كثيراً، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهُزموا وهُزم أصحابهم، فلا أقاموا ديناً، ولا أبقوا دنيا، والله تعالى لا يأمر بأمر لا يصلح به صلاح الدين ولا صالح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين، ومن أهل الجنة فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدراً عند الله، وأحسن نية من غيرهم).
قال: (وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كلهم).
وقال الإمام ابن القيم:(.... وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر... ومن تأمل ما جرى للإسلام في الفتن الكبار والصغار؛ رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو اكبر منه..) 15
وقال ابن أبي العز: (وأما لزوم طاعتهم - وإن جاروا - فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور)16 اهـ.
4. استحلال الدماء والقتل:
ومن مظاهر الغلو استحلال دماء المسلمين والمعاهدين بتأويلات باردة وقتلهم بغير حق وقد جاءت نصوص الشريعة بتحريم الدماء بل جعلت الأصل تحريم الدماء كما قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}17
وتحريم قتل النفس يشمل:
1. قتل الإنسان نفسه، قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا}18
2- قتل مسلم بغير حق، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}19
3. قتل المعاهد، جاء عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً) 20
مسألة: وعقد الأمان يجوز أن يعقده كل مسلم ولو امرأة ويجوز عقده لكل كافر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم لبنت أبي طالب: (أم هانئ، قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت) وقد بوب له البخاري بقوله: باب أمان النساء وجوارهن 21
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (فإن الأمان يجوز عقده لكل كافر، ويعقده كل مسلم) 22
5. التفجيرات:
ومن مظاهر الغلو التفجيرات الإجرامية التي تتعرض لها مجتمعات الناس ودوائرهم ومنازلهم فتأتي على الأخضر واليابس فيقتل النساء والأطفال والأبرياء وتتلف الأموال المحترمة وينشر الرعب والخوف ويضطرب الأمن، وهذه التفجيرات تشتمل على عشرات المفاسد التي تكفي واحدة منها لتحريمها فكيف بها مجتمعة، وقد توالت بيانات أهل العلم على استنكارها وشجبها وتحريمها وتبرئة الإسلام منها.
الآثار السلبية للغلو
للغلو آثار سلبية لا يمكن حصرها ومن أبرزها ما يلي:
1. مجاوزة حدود الشرع، وقد قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 23، وقال: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}24، وتجاوز حدود الله تعالى غلو مردود غير مقبول مهما كانت مسوغاته ودوافعه.
2- نشر الفتنة وتفريق الصف وتمزيق الوحدة الأمر الذي ينافي ما أمر به الشرع من وجوب الاجتماع وتحريم الافتراق كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}25، وقال: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}26
3- إحراج العمل الدعوي والخيري والتضييق على المسلمين فيهما وهذا ما حصل بالفعل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فهذه التفجيرات جعلت غير المسلمين يجلبون بخيلهم ورجلهم على الأعمال الخيرية، والجامعات الإسلامية، والمراكز والمعاهد الدعوية تحت شعار (الحرب على الإرهاب).
4- فتح الذرائع لتسلط الأعداء على الإسلام والمسلمين من خلال وسائل الإعلام وغيرها حتى سُب الله تعالى وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وشنت الحملات الإعلامية الجائرة على الدول الإسلامية وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية بسبب تطبيقها للحدود الشرعية ودعمها للمسلمين في أنحاء العالم.
5- تشويه صورة الدين الإسلامي عند المسلمين وغير المسلمين وتصويره على أنه دين عنف وترويع وقتل مما ينفر الناس عن الدخول في دين الله تعالى.
الموقف الشرعي من ظاهرة الغلو
أولاً: موقف النصوص الشرعية:
تكاثرت نصوص الكتاب والسنة التي تحرم الغلو وتذم الغلاة وتوجب الالتزام بالمنهج الوسطي المعتدل ولا يمكن حصر هذه النصوص في هذا البحث حتى لا يطول بنا المقام، إلا أننا نذكر بعضاً منها مما يمكن ذكره فيما يلي:
1- قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}27
2-قال تعالى: {طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}28
3-وقال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}29
4-وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة. قال:(من هذه؟) قالت: هذه فلانة تذكر من صلاتها. قال:(مه عليكم بما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا) وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه. متفق عليه30
5- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(هلك المتنطعون) قالها ثلاثاً. رواه مسلم31
6- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الدين يسر ولن يشاد الدين إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري32
ثانياً: موقف أهل العلم قديماً وحديثاً:
أ) موقف السلف الصالح من الخوارج: وقف السلف موقفاً حازماً من الغلاة ومن أبرز مواقفهم موقفهم من الخوارج الأوائل فتصدوا لهم بالرد عليهم ونقض شبهاتهم وتحذير الناس منهم كما فعل علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين بل قاتلهم الصحابة الكرام لما أصروا على مذهبهم الضال حماية للمسلمين من شرهم.
ب) موقف هيئة كبار العلماء من الأحداث الأخيرة: وقفت هيئة كبار العلماء في المملكة موقفاً حازماً من الغلاة وأفكارهم المتطرفة وأصدروا عدة بيانات يستنكرون فيها الأفكار التكفيرية ويشجبون الأحداث التفجيرية ويبينون مفاسدها وأخطارها ويحذرون الأمة من أهلها ودعاتها.
الحواشي
1 - لسان العرب: مادة (غلا) (15-130).
2 - النساء: 171 , المائدة: 77.
3 - عبدالعزيز الحميد- 317، وذكر فيه تعريف شيخ الإسلام.
4 - فتح الباري 13-278
5- آل عمران: 143
6 - انظر القاموس المحيط، مادة (رهب).
7 - أعلام الموقعين (3-15).
8 - الأنعام: 108
9 - النساء: 94
10 - رواه البخاري في كتاب الأدب، باب من كفر أخاه بغير تأويل (19-58)، ومسلم في كتاب الإيمان (1-195).
11 - سورة النساء, الآية: 59
12 - رواه مسلم في كتاب الأقضية (9-109)
13 - منهاج السنة(1-391)
14 - منهاج السنة (4/ 527- 531)
15 - إعلام الموقعين.
16 - شارح (الطحاوية) (2- 542)
17 - سورة المائدة الآية 32
18 - سورة النساء الآية: 29 - 30
19- سورة النساء , الآية 93
20 - رواه البخاري في كتاب الجزية باب اثم من قتل معاهدا بغير جرم (10-244)
21 - كتاب الجزية، وهذا لفظ أبي داود في سننه في كتاب الجهاد باب أمان المرأة (7- 407).
22 - كتاب الصارم المسلول ص95
23 - سورة البقرة 229
24 - الطلاق آية 1
25 - آل عمران الآية 103
26 - الأنفال آية: 46
27 - المائدة الآية: 77
28 - طه الآية: 1-2
29 - البقرة الآية: 185
30 - رواه البخاري في كتاب الإيمان باب أحب الدين إلى الله أدومه (1-75)، ومسلم في كتاب صلاة المسافر باب من تعسر في صلاته (4-192).
31 - في كتاب العلم باب هلك المتنطعون (13-153).
32 - في كتاب الإيمان باب الدين يسر (1-69).
وكيل الوزارة لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد