تطورات وتحديات ومستجدات سياسية وأمنية وعسكرية خطيرة تحدث في المنطقة برمتها وتواصل خطى مسيرتها بسرعة عجيبة في إطار حركات مدروسة لمخططات مشبوهة واستحقاقات مبدعة وتحركات سياسية غير مجهولة المصادر، معلومة منابعها ومصادرها، ومع هذا تقف المنطقة شبه عاجزة عن مواجهتها بما تتطلبه المواجهات الحقيقية من قوة وإرادة ومنعة وعزم.
بالكاد أن يكون بمقدور المرء، أيا كان موقعه، أن يواكب تداعيات ومخاطر التطورات والتحديات والمستجدات هذه، ليس وحسب لتداخلها في بوتقة سياسية وأمنية وعقدية معقدة ومكروهة في ذات الوقت، وإنما نظراً لسرعة ظهورها ودقة تحركاتها وتكرار ذلك الظهور بطرق ووسائل وأدوات مختلفة، فالتاريخ لا يكرر نفسه ها هنا في المنطقة وحسب، وإنما يمعن في ذلك التكرار كي يمكن أن يعي مخاطره الشطار.
في اليمن الشقيق تتداعى أحداث وأحداث مشبوهة، وتتوالى المخاطر، والتحديات السياسية والأمنية المزمنة التي لا تهدد أمن اليمن واستقراره ووحدته وحسب، وإنما تواصل إعاقتها المقصودة بوضوح، مع سبق إصرار وتعمد، لمسيرة التنمية الوطنية في البلاد، فاليمن بلد فقير في موارده المادية، غني بتعداد سكانه، ومع هذا أنشب الفقر والاستلاب والعنف مخالبهم القوية في جميع أنحاء جسد ذلك الشعب الشقيق.
في لبنان تلوح في الأفق معالم صراع سياسي خطير قادم، وعراك أمني أخطر، وسجال لفظي حاد مع قرب موعد استحقاقات الانتخابات البرلمانية، هنا تحديداً ما الذي سيحدث من تطورات؟ وما هي مكامن ومصادر التحديات، من الذي سيفوز في الانتخابات، الموالاة أم المعارضة؟ هل يقتنع ويقبل الخاسرون بهزيمتهم سلمياً؟ أم سيحولون الهزيمة السياسية إلى صراع واقتتال يعيدان لبنان إلى الوراء عقوداً طويلة من الزمن.
وفي الباكستان لا يقل الوضع خطورة عن مثيلاته في الدول الأخرى، فالباكستان التي تعد ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم الإسلامي تنضوي في مقدمة قائمة الدول الفقيرة، ومع هذا ورغماً عنه يواصل المتطرفون من حركة طالبان استنزاف موارد وثروات البلد بكل الوسائل الممكنة وبأي وسيلة متاحة لديهم. الذي يحدث حتى الآن نزوح قرابة المليون ومقتل المئات في عمليات عسكرية هدفها تنظيف البلاد من وطأة مطامع الجماعات المتطرفة.
وفي مصر تتواصل محادثات الحوار المكثف بين حركة فتح وحركة حماس الفلسطينيتين، في مسلسل دبلوماسي درامي تعيس لم تنته فصوله بعد، لكن وعلى الرغم من إدراك الجميع بمخاطر الصراع الفلسطيني - الفلسطيني، يستمر الخلاف فيما بينهم، فيما ترقص إسرائيل طرباً على أنغام ذلك الخلاف البغيض، لذا هل تنجح مصر في احتواء الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني؟ هل يمكن هدم الهوة الكبيرة التي تفصل بين مطالب ورغبات ومطامع الفصائل الفلسطينية المتنازعة؟ هل يمكن إنشاء حكومة وطنية فلسطينية موحدة؟ أسئلة جوهرية لا زالت مطروحة برمتها دون إجابات على طاولة الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني.
وفي السودان، تحديداً في منطقة دارفور، يستمر مسلسل الصراع والاقتتال بين المتمردين وقوات الحكومة السودانية من جهة، ومن الجهة الأخرى مع القوات التشادية كطرف ثالث، فيما يتشرد مئات الآلاف من أبناء الإقليم، ويعمل الفقر والجوع والمرض مخالبهم في سكان الإقليم بعد طرد منظمات الإغاثة الدولية منه. التساؤلات هنا: كيف سينتهي الوضع في الإقليم؟ وإلى أي شكل من الأشكال؟ ما حجم تكلفة ذلك التطور؟ ما تأثيره على وحدة السودان وأمنه واستقراره؟
في موقع آخر، فإن الأحداث الصاخبة والخطيرة تحرق شظاياها دولة وشعب الصومال حيث تشتد وطأة الحرب الأهلية مرة أخرى بين قوات المتمردين التابعين للحزب الإسلامي وقوات الحكومة (المحاكم الإسلامية)، فيما يقف العالم كل العالم عاجزاً عن وقف نزيف تلك الحرب التي أزهقت الأرواح وأراقت الدماء وأهدرت الموارد والثروات، وتسببت في ظهور ظاهرة القرصنة في تلك الأمصار.
إلى متى تستمر عربدة تلك الأحداث والتطورات الخطيرة في المنطقة؟ وما هي نتائجها ومخرجاتها وتداعياتها على الدول الأخرى؟ ما هو حجم التكلفة الإجمالي لنزيف دول وشعوب المنطقة، أسئلة حساسة مرهونة بكاملها لسيناريوهات محسوبة ودخيلة تتضح ملامحها الخبيثة بوضوح مع كل تطور سلبي جديد يظهر من هنا أو من هناك.. الخطير في الأمر أن سماء المنطقة حتى اليوم تمطر خطراً أكيداً على معظم أرجائها.
drwahid@email.com