ينعقد مؤتمر اليورومني في الرياض هذا العام والعالم يعيش مراحل أصعب الأزمات الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية ولكن بالرغم من انعقاد هذا المؤتمر في الرياض قبل ذلك إلا أن هذا العام يحمل ميزة استثنائية للمملكة فالتجربة التي قدمتها للعالم بطريقة إدارة الاقتصاد قبل الأزمة بسنوات وتحديدا منذ العام 2003م مع بداية ارتفاع أسعار النفط منتجة سياسة اعتمدت على تقوية الاقتصاد الكلي وتأسيس احتياطات ضخمة من العوائد الكبيرة التي تحققت خلال ستة أعوام فاقت 1600 مليار ريال مع تخفيض الدين العام إلى مستويات تقارب 13 بالمائة من الناتج الوطني كنسبة متدنية جدا مما يعني تكاليف أقل لخدمة الديون مع القدرة على إيفاء ما تبقى منها إلا أن جلها تعتبر محلية وبالتالي تصبح عملية سدادها يتحكم بها جانب زيادة المعروض النقدي بما قد يشكل عبئا على مقياس التضخم وباعتبار أن المنهج السعودي أصبح بارزا في التخطيط الإستراتيجي للاقتصاد المستقبلي للدول النامية والتي لا تتنوع فيها مصادر الدخل مع تزامن تفعيل هذا الخيار الذي طالما طمحت له كل الخطط الاقتصادية منذ عقود إلا أن تقلب العوائد البترولية خلال الفترات السابقة وما رافقها من اضطرابات بالمنطقة جعل الكثير من هذه الطموحات تتباطأ وتيرته ولكن المملكة اليوم أصبحت أكثر قدرة على تحقيق ذلك فبالرغم من إنفاق مبالغ كبيرة على البنى التحتية خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كمرحلة تأسيس تنتقل اليوم المملكة إلى الارتقاء باقتصادها لمرحلة جديدة تفرض فيها توجهاتها القادمة دون أن تصطدم بعوالق كما السابق مما يعني مقدرة أكثر على تحديد توجهات الإنفاق الحكومي وتحريك الاقتصاد باتجاه بناء قوي بالمستقبل دون أن تستخدم الأسلوب الاستعراضي بل بهدوء تام وتفعيل أكبر لمشاريع تنموية جبارة ارتكزت على شقين رئيسيين الأول هو بناء الإنسان بإنفاق ضخم على مشاريع التعليم كون الشباب يشكلون 60 بالمائة من السكان واعتبارهم حجر الزاوية بالخطة التنموية والآخر توزيع مشاريع التنمية الإنتاجية على مختلف مناطق المملكة ويترابط معه إنشاء أكثر من عشرين جامعة حكومية تغطي كافة المناطق فالمملكة اليوم أدخلت القطاع الخاص كشريك رئيسي بالاقتصاد من خلال إنشاء ستة مدن اقتصادية متنوعة الأهداف ودعمت قيام مشاريع صناعية تعتمد على النفط بعدة مناطق وبأرقام كبيرة جدا وتفتح باب الاستثمار على مصراعيه لنقل التكنولوجيا واحتياجات الدولة من الصناعات والمعرفة التي تتوفر إمكانية نجاحها لعوامل عديدة منها توفر المواد الخام وتيسير أنظمة وقوانين الاستثمار الأجنبي يدعمها استقرار مالي واقتصادي كبير مدعوم بما أسس له خلال سنوات طفرة أسعار البترول وتحفظ الحكومة على الإنفاق التوسعي خلال الفترة السابقة التي كانت العديد من الدول تتفاخر بما تقره من مشاريع ليأتي اليوم الذي أصبحت المملكة لاعبا رئيسيا بطرح المشاريع الكبرى والمميزة بنوعيتها منسجمة مع احتياجها بشكل رئيسي وليس الهدف منها الأسلوب الدعائي بل إن حكمة المملكة الاقتصادية حققت الدعاية المجانية دون أن تكون هدفا لنرى اليوم تقاطر الاقتصاديين ومسؤولي الدول الكبرى اقتصاديا للخوض في الحصول على اتفاقيات اقتصادية سهلت للمملكة الحصول على الكثير مما تريد من امتيازات نقل الصناعات الحديثة وكذلك تحقيق أهداف إستراتيجية في مجالات لا تنجح لدينا كالزراعة بينما نحتاج إلى استقرار بوارداتها لكبح جماح التضخم وتحقيق الأمن الغذائي وهو ما حصل بالفعل من خلال الحراك الأخير الذي شهدناه وتقول اليوم المملكة كلمتها بكل ثقة أنها تسير بخطى واثقة بسياسة إنفاقية توسعية كونها لا تخشى تقلبات الأزمة المالية نظير احتياطاتها المالية الضخمة تأمينها للنظام المصرفي من خلال مراقبتها للبنوك وتركيزها على جودة إدارة المخاطر لديها فهذه الإدارة لا معنى لها إذا وقعت الأزمة ولم تكن ذات فعالية قبلها للتحوط منها مما يعني فرصا كبيرة لنمو الحركة الاقتصادية وتعويض لما قد يحدثه إثر تراجع النمو الاقتصادي نتيجة انخفاض أسعار البترول لأنه سيعوض من داخل الاقتصاد وهذا سيكون أكثر فعالية كونه يفتح فرصا وظيفية في وقت ترتفع معدلات البطالة عالميا بشكل مرعب.
إن التفاخر اليوم بقوة مرتكزات الاقتصاد السعودي حق مشروع مبني على حقائق نراها على أرض الواقع وسنتلمس آثارها مستقبلا وبوقت ليس بعيد مع أننا بالتأكيد عايشنا أوقات صعبة واحتجنا لديناميكية أكثر بإحداث تشريعات وقوانين تعجل بتحريك عجلة الاقتصادي إلا أن مجمل الإيجابيات التي تحققت وينتظر ظهور أثرها مستقبلا كفيلة بمعالجة العديد من الآثار السلبية سابقا كهبوط سوق المال واحتياجات المملكة لوحدات سكنية تغطي الطلب الكبير والمتنامي مما يعني الضرر الذي وقع على الاقتصاد الجزئي والذي ننتظر تحسنه تبعا لما يجري من نشاط الاقتصادي حاليا والذي سيجلب معه استثمارات كبيرة وفرص عمل وارتفاع بدخل الفرد وبالتالي قدرته على تلبية احتياجاته فأي خطة اقتصادية طموحة لا يحكم على نجاحها إلا من خلال انعكاس آثارها على الفرد ورفع مستوى معيشته وهذا ما نأمل تحقيقه بإذن الله وتوفيقه مع العزيمة والإصرار الذي تتبناه الحكومة قولا وعملا.
***
alakil@hotmail.com