مسلمون يقتتلون في الصومال، ومسلمون يقتلون في السودان، ومسلمون يقتتلون في باكستان، ومسلمون يقتتلون في تشاد، ومسلمون يقتتلون في أفغانستان، وتفجيرات في بلاد المسلمين هنا وهناك، قد يقول قائل: إن ذلك امتداد لحقبة استعمار، وقائل آخر يقول: أيد أجنبية أثيمة، وربما يقال مخطط كبير يراد به الإسلام.
ليطرحوا ما يشاءون، وبالكيفية التي يشتهون، لكن الواقع أن هناك اقتتالا في بلاد الإسلام بأيدي مسلمين، وأن الذين يتضورون جوعاً مسلمون، والذين يموتون عطشاً مسلمون، والمتشردون مسلمون، وفوق هذا وذاك أن الدماء التي تسيل دماء مسلمة بأيد مسلمة.
الاستعمار ولى منذ مدة كافية، وكان تحت الاستعمار دول أصبحت الآن رائدة في الاستقرار والنماء، والأيدي الأجنبية إن كانت حقاً تعمل في الخفاء فأدواتها أيد مسلمة، وإن كان المخطط كبيرا فإننا متلقون قابلون لتنفيذه، بأيدينا وعلى أبنائنا، من هنا نقول دعونا من لوم غيرنا، ولننظر إلى أفعالنا، وما تجنيه أيدينا، ومن ثم يحق لنا أن نقارع من أراد النيل منا.
كل منهم يمتطي مطية، ويركب على ظهر جواد، فهناك من يدعي محاربة الاستعمار، أو من يدعي حماية الديار، وآخرون يدعون المنافحة عن الإسلام وآمل أن يكونوا كذلك، لكن الواقع ربما يكون غير ذلك.
المشكلة الكبيرة إدخال الإسلام كشعار في هذا الاقتتال، والإسلام ذاته يحرم دم المسلم إلا بحق، ويحرم دم غير المسلم إلا بحق، ويأمر بالعدل وحفظ الحرمات، والعدل والسلام، والعمل الدؤوب المخلص لصالح الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء.
هل أضحى التفاني في العمل والصبر على البحث، ومجاراة غيرنا في التقنية والعلوم أصعب من الاقتتال، وسفك الدماء، والتشريد وإباحة الحرمات؟ لا أظن ذلك.
أو أن الاقتتال ملهاة يتلهى بها أولئك الذين يقودون الدهماء، ويضرمون النار، بحثاً عن قصر كبير، وكرسي وثير، وجلساء منافقون، وشعراء مداحون.
يريدون من يقول لهم.
وليدكم لدى رأي كشيخ، وشيخكم لدى حربٍ وليد حتى إذا مازال غبار المعركة وظهر حاكم جديد، سواءً امتطى هذا السبيل أو ذاك، لم تتغير غير الأسماء، ولم تنتفع الدهماء، وأصبح الناس في عهدهم الجديد، كما أمسوا في عهدهم القديم قال الشاعر:
تجلو الرياسة في تاج البهاء على
من لا يفرق بين الرأس والذنب
أيها المسلمون المتقاتلون باسم الإسلام، أنصفوا الإسلام من أنفسكم، وارحموه من أطماعكم، ودعوه في أبهى حلله وأزكى مواقعه كما كان، وكما هو، وكما سيكون إن شاء الله إلى يوم الدين.
الإسلام يحتاج إلى تلك الدماء المسلمة أن تكون عاملة في مجال الطب والكيمياء والفيزياء والفلك والميكانيكا والتقنية.
أليس في تلك الديار مرضى يحتاجون إلى علاج؟ وشباب يحتاجون إلى مصانع يعملون بها؟ وطرق ينقلون بضائعهم من خلالها؟ وبطون جياع تحتاج إلى من يملأها؟ وأفواه عطشى تحتاج إلى من يسقيها؟
وأيها أيسر وأسهل العمل والجنوح إلى التقنية؟ أو سفك الدماء والجنوح إلى الفناء؟
قد يقول قائل: إن الجهل قد ضرب أطنابه هناك، وعشعش في سويداء القلوب، وتربع على عروش العقول، وهذا قول مردود، يرده الإسلام الذي يقتلون باسمه، ويدعون نصرته.
فالإسلام جاء إلى أمة العرب وهي جاهلة فأضحت عالمة، وكانت متناحرة فأضحت متماسكة، ولاسيما ذلك التماسك في العصر النبوي وعهد أبي بكر وعمر وجزء من عهد عثمان رضي الله عنهم.
الإسلام يحتاج إلى كل يد كريمة ونبيلة لتشيد البناء وتكفي البلاد المسلمة حاجة الغير، ولو أرادوها كريمة نبيلة لكانت، فعقول البشر واحدة إلا من يؤمن بالفروق الوراثية بين بني الأقوام، وهو مالا يقوم عليه برهان.
ذكرني ذلك بالأندلس أيام الطوائف واقتتال المدن فيما بينها، وكلهم يدعي حب ليلى، حتى أن قرطبة قد تداولها في أشهر معدودة عدد من الخلائف مثل المرتضى، والمستعين، ومحمد بن هشام، وبني حمود علي والمعتلي ويحي بن علي، وفي الثغور الأخرى قصص يندى لها الجبين، حتى قال ابن رشيق.
مما يزهدني في أرض أندلس
تلقيب معتض فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
جربوا الاستقرار والبناء، وجربوا التسامح والعطاء وجربوا العدل والمناصحة، والاجتهاد والمصارحة، وجربوا حلاوة الأمن، والانشغال بالعمل، تكونوا أكثر استمتاعاً، وأعلى شأناً، وأقوى بأساً من هذا التناحر الذي لا طائل منه، والتقاتل الذي أذهب ريحكم، وأضاع سعيكم، فالإسلام في حاجة إلى كل يد أن توجه للبناء والعمل، وأن تقدح زناد عجلة مصنع، لا زناد بندقية.