اختلفت الدراسات النفسية والاجتماعية والإعلامية حول تأثير مشاهد العنف على المتلقي؛ فهل هذه المشاهد تغذي العنف لدى المتلقين وبالتالي تزيد من أحداث العنف في المجتمع كما يرى كثير من الباحثين، أم أن تأثيرها محدود إن لم يكن إيجابياً كما يرى آخرون، وأولهم العالم اليوناني الشهير أرسطو؟!.
نحن اليوم نعيش في وسط إعلامي مليء بمشاهد العنف؛ فالأخبار لا تنقل في الغالب إلا أحداث الحروب والجرائم، والأفلام تدور أحداثها حول فلك العنف، وحتى الألعاب الإلكترونية الموجهة للأطفال عبارة عن معارك بالأسلحة النارية والبيضاء وتشابك بالأيدي وغيرها؛ ما يعد عنفا. وأمام هذا الزخم الكبير من مشاهد العنف يشعر كثير من الأسر بالقلق إزاء التأثير المحتمل لهذه المشاهد على أبنائها وخاصة الأطفال.
وأية خطة وطنية لمكافحة الجريمة بشتى صورها لا بد أن تنطلق من الدراسات العلمية التي تعالج تأثير مشاهد العنف على المتلقين؛ من أجل تحديد أسباب ظاهرة انتشار العنف بين أوساط الشباب، ولاسيما طلاب المدارس.
والحقيقة أن عددا كبيرا من الدراسات حول الموضوع التي تمت في عدة دول وخاصة في أمريكا وأوروبا تؤكد أن مشاهدة العنف عبر وسائل الإعلام لها تأثير سلبي، على عكس وجهة النظر الأخرى التي ترى أن مشاهد العنف تقوم بما يسمى بالتطهير. هذا المصطلح أطلقه أرسطو وتبناه بعض الباحثين حتى يومنا هذا. فأرسطو يرى أن كل إنسان يختزن في نفسه طاقة من العنف، وهذه الطاقة يمكن أن تفرغ عبر مشاهدة مصارعة على سبيل المثال؛ فالذي يشاهد أناسا يتعاركون كما هو في رياضة المصارعة أو الملاكمة يتطهر من العنف الذي بداخله، ويصبح بعد المشاهدة أكثر هدوءاً؛ لأنه أفرغ ما بداخله من عنف مشحون، وإلا فإنه قد يفرغ هذه الطاقة بممارسة العنف مع الآخرين؛ ولذلك يطلب بعض الأخصائيين النفسيين من المرضى الذين يشعرون بالكبت أن يفرغوا ما بأنفسهم بالصراخ، أو بتكسير حجارة، أو بضرب مخدات النوم!.
وعلى كل، فنحن في مجتمعنا السعودي بحاجة إلى عمل دراسات علمية عن العنف تنطلق من خصائص بيئاتنا؛ من أجل أن تنبني عليها أية سياسة لمكافحة العنف؛ من أجل أن تكون النتائج أكثر فعالية، وألا تكون هذه السياسات عشوائية وخاضعة للاجتهادات الشخصية غير المدروسة.