تلقى المجتمع السعودي مساء يوم الأربعاء 25-5-1430هـ بمزيج من الألم والأسى، ولكن بالرضاء والتسليم بقضاء الله عز وجل، نبأ انتقال المغفور له بإذن الله معالي الشيخ محمد العبد الله النويصر رئيس الديوان الملكي سابقاً، إلى رحمة الله تعالى. كيف لا والشيخ الفاضل معروف بالوفاء والحكمة وحب الخير ومساعدة الآخرين وحل مشكلات الكثيرين.
لقد عرفت معالي الشيخ عندما كان في ديوان المغفور له المرحوم الملك فيصل في مكة المكرمة - تغمده الله بواسع رحمته- وكان مساعداً للمغفور له الشيخ إبراهيم السليمان رئيس ديوان نائب جلالة الملك بالحجاز. منذ ذلك التاريخ وصلتي بالشيخ المرحوم لم تنقطع. كنت ألاحظ إخلاصه وتفانيه في عمله، وحرصه الشديد على تنظيم أعماله، وتوجيه مساعديه. كنت ألحظ ويلحظ غيري حبه لمساعدة الآخرين، وحل مشكلات الكثيرين بل وتقديم المساعدة المادية لمن يحتاج، إلا أنه كان ممن لا تعرف شماله ما تنفق يمينه، محتسباً ذلك عند الله عز وجل.
يمتاز أبو عبد الرحمن بالسماحة والبشاشة وحسن الخلق، لا تراه إلا مبتسماً، لا تسمع صوته أحياناً، وكأنه شخص خجول، مع أنه كان قوي الشخصية، مهاباً من الجميع، يحترمه الكبار قبل الصغار، يقدره الجميع ويجلونه.
في مكتبه يجتمع عنده المسؤولون الكبار أمراء ووزراء، ولكنه لا يترك مكتبه، وينصرف إلى الحديث معهم، رغم رقة أسلوبه وحسن تعامله، ولكنه على الرغم من وجودهم، ينصرف إلى عمله لكي يؤديه أحسن أداء، ليس لأنه لا يرحب بحضور أحد عنده، لا بالعكس فهو يرحب ويسعد، ولكنهم أيضاً من جانبهم يقدرون حرصه على عمله ويحمدون له ذلك، وإذا احتاج أحدهم أن يحدثه في أمر ما فإنه يصغي إليه بكل اهتمام وشفافية وراحة نفس، ويعطي الموضوع المبحوث معه حقه كاملاً.
لقد خدم المذكور تحت جميع ملوك هذه الدولة السعيدة الصاعدة القوية بإذن الله، ابتداء من المغفور له مؤسس الدولة الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- ثم ملوكنا المرحومين، الملك سعود والملك فيصل والملك خالد وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمهم الله، ثم مع ملك الإنسانية قائد مسيرة التنمية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله -أيده الله ونصره وأمد في عمره. ولكن العمر يجري، وعلى الرغم من الحاجة إليه، وما لديه من خبرات واسعة، وحسن إدارة، فإنه أحس بالتعب في آخر أيامه، وطلب من خادم الحرمين الشريفين إعفاءه من منصبه، وقد تعاطف معه -حفظه الله- ووافق على رغبته الإحالة إلى التقاعد.
أبو عبد الرحمن ليس شخصاً عادياً وإنما جماعة كيبرة في رجل. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جنته، وجزاه عن الأعمال الخيّرة، الإنسانية والخاصة، وعن أعماله الحكومية الرائعة كل الجزاء.
لقد ترك عائلة خيرة وشباباً ورجالاً ونساء صالحين أوفياء، رباهم تربية ممتازة ووجههم الوجهة الصالحة، ولا شك أنهم سيكونون -بإذن الله- خير خلف لخير سلف، وأنهم سوف يخلدون ذكرى الراحل العظيم. الموت حق على كل بني آدم، ولا نقول إلا كما قال الصابرون.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.