المدينة المتورطة بالبحر، لم تدع للماء أن يلتهمها، جعلته مغتسلاً وخزينة..
هذا المكان الفاره في صباحه السماوي وليله الوضيء ثمة ما أسره إلي في أيام كان بحرها مغتسل العيون، ومرتجعها. قال لي عند انفراجة الفجر: البحارة لا يسافرون أو يؤوبون دون أن تكون لهم في البحر خارطة، وبصمة، متَّجَهاً وصوتاً. بادرته بالدهشة فأرخى لي بأسفار القراطيس: هنا آلاف القصص وبقايا الدماء والدموع، ونحيب الشعراء وصهيل الفرسان وعتب الفاقدين وحسرات الذاهبين دون عودة وأهازيج المنتصرين على الموجة والغموض في الزحف المائي المتماهي مع بسطة المد وأبعاد الامتداد, هنا كبد البحارة، وعرق الصناع، وفرح المنتشين وغضب المصفوعين, هنا آثار الناجين العائدين بالصيد, وبصمات الخاسرين المرتدين بالحزن، والبحر يمدني أربعة صباحات بمؤونة قراطيسه، فأهتبل القراءة في قصر منيف، ووجه كادح، وأقدام حفها الجهد وأعيتها سلمات الصعود، في متجر كتب اكتظ، وقاعات درس تصالحت مع المدارك، ومعامل تجريب تضخ بعجين معرفة، والبحر عن يمين المدينة يشهد بأن ماءه لم يبتلعها، وأن الإنسان معه في حذو، هنا عند امتداد البحر والناس تركض، تعمل وتبصم، تبني وتنوف، ثمة ما أهديته للبحر وأنا أغادر: زفرة معبقة بالفرح، وكدت أن أبقى لأحدثه عما سجلته في القرطاس..
شكراً لمن تفقد غياب الزاوية خلال الأيام الستة، وصلت رسائلكم..
لم أكن هنا..
واليوم معاً..