هي في الواقع ليست مني، وإن كنت منتظراً ذات المصير، هي في الحقيقة من (متقاعد) عانى من سوء المنقلب في الحياة، امتعض من سوء الدلالة اللغوية لهذا اللفظ (متقاعد)، وامتعض من الفراغ الكبير الذي شعر به وأحسه، بعد أن ترجّل عن وظيفته، أو ترجّلت عنه، دخل مرحلة (الأوجاع)، فجأر إلى (غازي القصيبي) مستدعياً هذا البيت:
|
ولابدّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ |
يواسيك، أو يسليك، أو يتوجّعُ |
* اختار (غازي) يبثه همه وشكواه، ويستودعه جزاً من أوصابه وأوجاعه، الحسي منها والمعنوي. اختاره لإدراكه أن هذا الوزير، رغم تثاقله، أو إثقاله بالمهام، وليس بالسنين يمتلك حساً مرهفاً، وذائقة لغوية، وثقافة واسعة، وقدرة على التأثير، تطوّع ما استعصى على غيره. اختاره يوم أن تواصل معه وجدانياً في ذلك المساء، في (حديقة الغروب).
|
* اختار (غازي) لمعرفته بآرائه التقدميّة، في مصطلحات عديدة، لامست فئات مختلفة، لهم كيانهم ومكانتهم في وجدان الشاعر (الإنسان). إنها فئة (المتقاعدين) التي أثارها أكثر من مرة إن لم تخني الذاكرة، فكان له رأي في مصطلحهم، والنظر إلى واقعهم ولا يزال، وبطبيعة الحال ليس هناك أيّ ارتباط بين الفئتين في هذا السياق سوى الاستشهاد بالتفاتة (غازي ) إلى هذه الفئة، التي تمتلك من المواهب والقدرات، والإبداع والعطاء الشيء الكثير، ومع ذلك اختير لها (الطلاق)، رغم تعلقها بمعشوقتها، على نحو مما يصوره (الألمعي) بقوله:
|
يقولون طلّقها وإني مطلّقٌ |
ولي في حنايا الصدر قلبٌ تقطّعا |
يقولون طّلقها فإن طلاقها |
الذّ من الستين عاماً فَتُخلعا |
* اختار (غازي) لهذا الموضوع، ولم يكن الاختيار من فراغ، لا لكونه (وزيراً للعمل)، ولا لكونه قبل ذلك (وزيراً لشئون المجتمع)، ولا لكونه يحمل لواء محاربة البطالة لكلا الجنسين، بل لأنه - بدعم من الحكومة الرشيدة- جعل من الإنسان السعودي وعمله قضية القضايا، في ضرورة تهيأته لسوق العمل، وفي ضرورة إقحامه معترك الحياة العملية، وفي تمكينه دون سواه في سوق العمل ببلاده.
|
* اختار (غازي)، لأنه جعل من هذا الإنسان -في جميع مراحل عمره- هماً له وهاجساً، مدفوعاً بوطنية صادقة، وفؤاد يقظ. في سبيله تصارع مع أكبر من فئة، ذات ثقل، وفي سبيله جاهد بفكره وقلمه أكثر من تيار، وستثبت الأيام إن لم تكن قد أثبتت سداد الرأي وصلابة المبدأ.
|
اختار (غازي) لأنه يدرك أن العطاء للإنسان لا تحده الحدود، ولا تقيده القيود. من كانت هذه رؤيته جديراً به ألا يلتفت إلى المصطلح، بل إلى واقع المتقاعدين من جميع جوانبه. واسلم لأخيك يا (غازي).. ا - هـ.
|
|
* يقول منها مخاطباً ذاته، وقد جاوز الستين:
|
أما مللتَ من الأسفار ما هدأت |
إلا وألقتك في وعثاء أسفارِ؟؟ |
أما مللتَ من الأعداء مابرحوا |
يحاورونك بالكبريت والنارِ؟؟ |
ماذا تريدون مني إنني شبحٌ |
يهيم مابين أغلال وأسوار؟؟! |
|