قد يقول قائل: كيف يمكن أن ننسى فلسطين وقضيتها تُعْرَضُ علينا ليل نهار عبر وسائل الإعلام المختلفة، وكيف ننساها وآثار الدَّمار في العدوان اليهودي الأخير على غزة لا تزال شاهداً على خطورة هذه القضية وأهميتها؟ وأقول: مع ذلك كلِّه فالأجيال الناشئة بحاجة إلى تواصل روحي نفسي مع قضية فلسطين، والشباب الذين يشكّلون النسبة الأكبر من سكان عالمنا الإسلامي بحاجة إلى أن تكون القضية حاضرة في قلوبهم ووعيهم بصورتها الحقيقية.
هناك حقائق تجري على أرض الواقع الفلسطيني لا يطلع عليها الناس في وسائل الإعلام المؤثرة، وإليك الأمثلة:
1- أقر الكنيست اليهودي في دولة الاغتصاب اليهودية في فلسطين قانوناً يقضي باعتبار القدس عاصمة للشعب اليهودي كلِّه في أنحاء العالم، وليست عاصمة لما يسمى بدولة إسرائيل فحسب، لقد كان الخبر يذاع في القنوات الفضائية اليهودية، وإذاعة دولة اليهود، وكان الجدير بهذا الخبر أن يتناوله الإعلام العربي والإسلامي بالمناقشة لإيضاح ما فيه من الخطورة، فهو قانون خطير يعني أن أكثر من مائتين واثنين وخمسين ألفاً من الفلسطينيين الساكنين في القدس يُعَدُّون مقيمين وليسوا مواطنين، وأنه لا حق لأحد في القدس غير اليهود، حتى ولو كان ممن يحمل الهوية الزرقاء من الفلسطينيين (الجنسية الإسرائيلية)، لقد تجاهلت معظم وسائل الإعلام العربي هذا الخبر أو أنها لم تنتبه إليه وهذا - كما نرى - تغييب لجوانب مهمة من القضية، وعزلٌ لمعظم الشباب في عالمنا الإسلامي عن حقيقتها.
2- شنَّ الاتحاد النرويجي للنقابات التجارية، وهو اتحاد يمثل أعضاؤه أكثر من ثلثي العاملين في النرويج، حملة مقاطعة دولية ضد ما يُسمى بدولة إسرائيل إذا لم تتوصل لسلام مع الفلسطينيين، وطالب بوضع حدٍّ للاحتلال غير المشروع للأراضي الفلسطينية، كما طالب بإزالة الجدار الأمني ووقف بناء المستوطنات.
أليس خبراً مهماً؟ بلى، ولكن أين الوعي العربي الإسلامي عنه؟ سؤال لا جواب له.
لقد سمعت من بعض شبابنا حديثاً يؤكد حاجتهم إلى وعي بحقيقة قضاياهم، كانوا يقولون: العالم كلُّه يؤيد اليهود، وليس معنا من العالم الغربي من يدعمنا، فلماذا لا نتنازل عن بعض شروطنا ونتفق مع اليهود ونريح أنفسنا، وهذا كلام خطير من شباب مثقفين بثقافة العصر، يدلُّ على نقصٍ في الوعي بقضايانا وبالموقف الحقيقي للآخرين منها، ولو اطلع شبابنا على مثل هذه الأخبار - وهي كثيرة جداً - لما شعروا باليأس من موقف الآخرين، ولعلموا أن أهل الحقِّ إذا صمدوا وصبروا، وجاهدوا دون حقِّهم، فسيجدون من الناس من يؤازرهم، ويناصر قضيتهم بتوفيق من الله، فأنصار الحقِّ في العالم كثيرون، وتبرز أدوارهم حينما يرون صمود أهل الحق، وإذا كان هذا الاتحاد النرويجي قد وقف هذا الموقف الآنف الذكر متأثِّراً بصمود المجاهدين في غزَّة، فإن سكَّان منطقة (فال دواز) الفرنسية، وعدداً من البرلمانيين الفرنسيين قرروا مقاطعة المنتجات الإسرائيلية تضامناً مع الفلسطينيين وإدانة للمجازر الشنيعة التي ارتكبها اليهود في هجومهم الأخير على غزة، وقد نشرت صحيفة (لوباريزيان) الفرنسية آراءهم وأبرزتها، ونطرح السؤال نفسه: أين إعلامنا العربي من هذه الأخبار التي تبين جوانب من قضية فلسطين لا يعرفها كثير من المسلمين؟!
3- أشارت صحيفة يديعوت الصهيونية إلى أن الدولة اليهودية قلقة جداً من القنبلة الفلسطينية السكانية (الديموغرافية)، بعد أن أكَّدت الإحصاءات أن عدد الفلسطينيين قد تضاعف سبع مراتٍ بعد مرور (61) عاماً على النكبة، وأن هذه الزيادة تؤكد فُتوَّة الشعب الفلسطيني، مقابل شيخوخة الشعب اليهودي، كما أشارت الصحيفة إلى تزايد أعداد المنتحرين في الجيش اليهودي بصورة مخيفة.
أليس هذا الخبر قادراً على إزالة روح اليأس التي تسيطر على كثير من المسلمين - خارج فلسطين - بسبب ما يرون من عَتامةِ القضية وسوداوية الطرح الإعلامي لها؟ ثم ألا يحقُّ لنا أن نقول: (حتى لا ننسى فلسطين)؟