أثير في وسائل الإعلام مؤخراً موضوع تأجيل محاضرة الدكتور عبدالله الغذامي في جامعة الإمام.. وكمتابع للشأن الاجتماعي عموماً والثقافي خصوصاً وجدت أن المواقف المتعلقة بهذا الأمر افتقدت عنصر التشخيص والتحليل ووقعت في مصيدة تفسير التصرفات في إطار صور رسخت في الذهن.. وهي في الغالب صور انطباعية عمومية تغلبت فيها العاطفة على العقل.
والمتابع للنشاطات والفعاليات التي قامت بها الجامعة خلال العامين الماضيين مثلاً سوف يلحظ حجم التحولات الإيجابية التي تعيشها الجامعة.. ورغم هذه التحولات غير المسبوقة إلا أنها لم تُرْصَد ولم يُشَر إليها بالثناء ولم يُحَفَّز القائمون عليها.. بل تم الترصد لهم.. وهو ما يدل على أننا للأسف نرى ما (لا نريد) أكثر مما نرى ما (نريد).
جامعة الإمام في مرحلتها الحالية تقدم نفسها كما قدمت نفسها دائماً على أنها صانعة للتحولات.. وتريد أن تنهض بالدور التنموي المطلوب والمتوقع منها.. الذي هو امتداد لدور الجامعة في مراحلها كافة.. والذي هو أيضاً لصيق بمراحل التنمية الوطنية.. ففي عام (1370هـ) ومن خلالها كانت انطلاقة أول تعليم منظم.. فقد كان للمعاهد والكليات - وهي المكون الأساسي للجامعة - دور تنموي مهم مع انتهاء مرحلة التوحيد ومطلع مرحلة التأسيس.. هذا الدور كان له أبعاد مؤثرة في أن تنعم المملكة بأطول فترة استقرار شهدها مجتمع معاصر.
والسابر لمراحل تطور المعاهد والكليات إلى جامعة.. ثم تطور مهام وأدوار الجامعة مع كل فترة اقتصادية مرت بها البلاد في ظل الاستقرار السياسي.. يتضح له حجم المرونة التي تحلت بها الجامعة.. وأنها كائن حي متفاعل مبادر سَبَّاق مؤثر.
لقد أثبتت الجامعة عبر تاريخها الممتد أنها من أهم أذرع التأثير الفكري على المستوى العالمي وليس المحلي فقط.. وبهذا أضافت إلى مكانة الوطن مكانة فوق مكانته.. وهذا يحتم على كل من أراد أن يتحدث عن شأن من شؤونها أن يعرف أنها قلعة علمية عالمية التأثير وأن يُقَدِّم لذلك المقام اعتباره واحترامه.. وأن تكون الجامعة بمنأى عن الضغائن والصغائر والتحزبات؛ فهي كيان كبير محايد فوق الجميع.
ختاماً أتمنى شخصياً أن تقام ندوة الدكتور عبدالله الغذامي؛ فهو مثقف وطني كبير، وهو قبل ذلك ابن الجامعة ونتاجها.. لكن الأهم من ذلك كله أتمنى أن نُحَيِّد نظرتنا للجامعة بقدر ما نأمله في الجامعة من حياد.. وأن نبعدها عن خصوماتنا ونسعى في استمالتها إن وجدنا عليها مأخذاً لا معاداتها ومناوأتها.. وأن ننظر للجامعة بموضوعية ونؤمن بأن الصورة غير ثابتة وأنها تتغير بتغير الأقوال والأفعال.. وأن نسعى جميعاً لحث جامعات المملكة على أن تلعب دورها المنتظر في تحفيز الحراك الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بالشكل الذي يجعلنا مجتمعاً نشطاً قادراً على استشراف المتغيرات والتعامل معها بأسلوب فاعل بما يعود على المجتمع والوطن بكل خير بإذن الله.