هذا هو عنوان ملتقى العقيق الثقافي الذي نظمه نادي المدينة الأدبي خلال المدة من 10-12 جمادى الأولى 1430هـ، ومن خلال حضور هذا الملتقى والاستماع إلى أوراق العمل التي ألقيت من أكثر من 20 باحثاً وباحثة، يكاد يجمع كل من حضر ذلك الملتقى على أن النادي قد وفق في اختيار هذا الموضوع، فضلاً عن نجاحه في التنظيم واستقطاب أسماء لها وزنها للمشاركة في هذا الملتقى من أمثال المؤرخ والمحقق المغربي د. عبدالهادي التازي، والرحالة الشيخ محمد بن ناصر العبودي، ود. عائض الردادي، ود. عبدالباسط بدر، وغيرهم.
والحديث عن المدينة في كتب الرحلات حديث شيق وباب واسع، لأن المدينة المنورة ربما تكون أكثر المدن الإسلامية جذباً للرحالة المسلمين الذين يزورونها كل عام لأسباب دينية تجعل فؤاد زائرها يهفو إليها ويحمل في داخله إحساساً روحانياً يجعل لزيارتها طعماً وشعوراً يختلف عن زيارة غيرها من المدن لكونها عاصمة الإسلام الأولى، وفيها مسجد المصطفى وجثمانه الطاهر هو وكبار صحابته وآل بيته..
ولهذا فإن الشوق الذي يقبل به زائرها، والانطباع الذي يعود به خصوصاً إذا كان من خارج الجزيرة العربية يجعلان لذكريات المدينة مكانة محببة إلى النفس وحديثاً تحسن روايته لكل متشوق إلى معرفة هذه البقعة الطاهرة، والوقوف على شكل الحياة فيها، ومعرفة أحوال الطريق إليها.
لهذا السبب استمتع المشاركون والحضور بما طرح من موضوعات، وتفاعلوا معها بكل حواسهم وكأنهم يسمعون وقع خفاف إبل الرحالة وهي تتهادى قاصدة المدينة، أو تجوب باحاتها وأزقتها، بل لا أبالغ إذا قلت إن تلك الأوراق التي تبارى المشاركون في عرضها بإتقان قد جعلت الحضور يعيشون ماضي المجتمع المدني وكأنهم يرونه رأي العين. يتنقلون بين حارات المدينة وبين مساجدها ومآثرها وجبالها وأوديتها، يماشون ركب الحجيج تارة، ويسامرون أهل المدينة تارة أخرى.
وكان من الأشياء الجميلة التي استوقفتني ما جاء في ورقة د. جلال الحفناوي الذي ذكر أن هناك ما يقارب 2000 رحلة باللغة الأوردية تتناول المدينة المنورة معظمها لم يترجم بعد.
كما كان من تلك الأشياء أيضاً ما أبرزته الرحلات حول حياة المجتمع المدني وما كان يتميز به ذلك المجتمع من التنوع الثقافي والتسامح الديني الذي يبدو جلياً من خلال استيعاب المدينة للمذاهب الدينية المختلفة، وفي التعايش السلمي بين أصحاب تلك المذاهب دون تعصب أو إقصاء، فأين نحن من ذلك المجتمع وما يسعى إليه بعض المتحمسين اليوم من وجوب التشديد على المذاهب الأخرى، وما يقوم به بعض هؤلاء من خلال شبكة الإنترنت من تتبع لبيوت المدينة وتصنيفها على أساس مذهبي أو ديني أو عرقي، وكأنهم موكلون بمراقبة عباد الله.
إن هذا التوجه الذي يمارسه هؤلاء يدل على جهلهم بتاريخ المدينة وتركيبتها السكانية وتأثرها بالمد الفكري والثقافي القادم من شتى أقطار العالم الإسلامي، ولا يدركون أيضاً خطورة ما يمارسونه على وحدة المجتمع المدني خصوصاً والمجتمع السعودي عموماً..
وإذا كان ملتقى العقيق الأدبي الثالث قد أثار الكثير من الأطروحات والتساؤلات، فإن من ذلك أيضاً ما يتعلق بقضية منع غير المسلمين من دخول المدينة، وما نتج عنه من لجوء الكثير من أولئك الرحالة إلى التحايل عن طريق التخفي تارة، أو عن طريق انتحال شخصيات إسلامية تارة أخرى. إن هذا الموضوع ربما يطرح تساؤلاً عن مدى إمكانية السماح لغير المسلمين من الرحالة والصحفيين لزيارة المدينة وفق ضوابط وتراخيص رسمية من أجل خدمة تاريخ المدينة وتعريف العالم بها، خصوصاً وأن ذلك لا يتعارض مع التعاليم الشرعية في رأي الكثير من علمائنا.