جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، جائزة ترفل في عمرها الثاني بثوبها الجديد الذي لبسته في مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء بالمملكة المغربية الشقيقة، بعد أن تحلت بثوبها الأول في المملكة العربية السعودية.
هذه الجائزة تعنى بالترجمة، وكان هذا المجال بعيداً عن النظر إليه بعين الرعاية، وكانت لفتة كريمة من خادم الحرمين الشريفين لفتح الأبواب على الحضارات الأخرى، ونقل ما يحسن نقله من تلك الحضارات إلى حضارتنا، وهي أيضاً لفتة نحو فئة من العلماء والمجتهدين بقوا ردحا من الزمن بعيدين عن أعين الناس، مع أهمية ما يقومون به.
وقد كان حفل تسليم الجائزة بالدار البيضاء حفلاً متميزاً بما فيه ومن حضره، وقد كان لرعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز رئيس مجلس أمناء الجائزة لحفل توزيع الجائزة بالدار البيضاء دلالة على ما تلقاه هذه الجائزة من اهتمام خادم الحرمين الشريفين.
وقد نال الجائزة عدد من العلماء المترجمين من اللغة العربية إلى لغات أخرى، ومن اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، وتنوعت المواضيع المترجمة وبلدان المترجمين، فهناك من ترجم كتباً في الدراسات الإسلامية، وأخرى أدبية، وتاريخية، ومنهم من ترجم كتباً علمية ذات علاقة بالحاسب الآلي، وكما تنوعت المواضيع فقد تعددت البلدان التي ينتمي لها المترجمون فمنهم الأردني والفلسطيني، والسعودي ذكراً وأنثى، والكوري، والماليزي، والألماني.
وبمناسبة ذكر الألماني، فقد حدث توارد خواطر عجيب في وقت توزيع الجائزة حيث كان بجانبي كبير مؤرخي المملكة المغربية الشقيقة الأستاذ - عبدالهادي التازي السفير الأسبق للمملكة المغربية في العراق، ودار بيني وبينه حديث جانبي حول الجائزة يتعلق بكون هذه الفئة العلمية ظلت مضمورة منسية لا يلتفت إليها بحال، وأن معظم القائمين عليها فقراء بمقياس أقرانهم من العلماء، ودخولهم محدودة، والله بهم عليم، وبعد أن انتهينا من حديثنا الجانبي السريع إذا بذلك العالم الألماني الذي نال الجائزة يقول نفس المعنى، ويختار نفس الكلمات في الأغلب فنلتفت إلى بعضنا مشدوهين متعجبين لذلك التوارد العجيب في المعنى واللفظ، فكانت إحدى النوادر التي ستبقى خالدة في الذهن.
ومن ضمن من نال الجائزة سيدة سعودية كريمة وهي الدكتورة هنية محمود ميرزا، وقد أبكتني بحق فمن ضمن برامج الجائزة عرض شريط قصير لمدة دقيقتين أو ثلاث عن المترجم له وموضوع ترجمته، وكانت الدكتورة ميرزا قد ترجمت كتابا يتعلق بالإعاقة المتوسطة والشديدة، وتم عرض نموذج لتلك الفئة المجتمعية التي تحتاج منا كل عون ومساعدة، فقد كان المنظر محزناً لما أصاب هؤلاء الأطفال، ومفرحا عندما ترى بعضهم وهو يرعاهم رعاية نابعة من القلب للأخذ بيدهم لكونهم يستطيعون أن يعيشوا عيشة تليق بهم، فاغرورقت عيناي وبدأ الدمع يذرف، وحمدت الله أن هناك من يقوم بخدمتهم والعناية بهم، وسعدت عندما علمت أن الدكتورة ميرزا أمضت ثلاثين عاماً من عمرها في الاهتمام بهذه الفئة الغالية على نفوسنا، وهذه منة من الله لمن يمنحه الباري حب رعاية من يحتاج إلى رعاية.
هذا الباب فتح لي الحديث في هذا المقال عن هذه الفئة التي مع ما نقدمه لها من رعاية إلا أنها تحتاج منا المزيد، ولاسيما أن هناك من أفعالنا ما يزيد من الإعاقة، وعلى رأس تلك الأفعال حوادث المرور التي ربما تكون الأعلى في العالم، ولا يمكننا تحميل النظام المروري وحده هذه الظاهرة غير المقبولة فنحن السائقون نسعى جاهدين برغبتنا في المساهمة في تلك الحوادث، من خلالها قيادتنا للسيارة تلك القيادة العجيبة الغريبة.
فنحن نسابق البرق لنلعب الورق مع الأصدقاء، ونسابق البرق في الذهاب إلى الاستراحة، ونسابق البرق لنذهب لقضاء بعض الوقت في البراري، نسرع لغير ما حاجة، ونتكاسل عن العمل رغم الحاجة، لماذا؟ لا أدري؟
هناك من يقول: إنها ثقافة الإهمال وعدم المبالاة، وهناك من يقول من أمن العقاب أساء الأدب، وغيرها كثير، لكن هذا لايمكن قبوله لأنه مضر ضرراً مباشراً بالفرد ذاته، فأمرنا عجيب غريب.
أعود لأقول: إن العناية بهذه الفئة الكريمة العزيزة تحتاج لتضافر الجهود، والأمل في رجال الأعمال كبير أن يكونوا أكثر سخاء وعطفاً ومحبة لهؤلاء، وأن تكون مساهمتهم مساهمة نابعة من إيمان صادق بخدمة هذه الفئة.