بريدة - عبدالرحمن التويجري
دعا البروفسور أحمد بن محمد الضبيب مدير جامعة الملك سعود (سابقاً) والخبير في علوم اللغة العربية إلى وضع إستراتيجية لغوية عربية تتبناها الدول العربية للعمل على تطوير اللغة العربية وإعادة مكانتها وألقها بين الناس، واستعرض البروفسور الضبيب في المحاضرة التي ألقاها في قاعة المحاضرات بمقر نادي القصيم الأدبي في مدينة بريدة مساء الثلاثاء الماضي وأدارها رئيس مجلس إدارة النادي د.أحمد الطامي وحضرها جمع من المهتمين والمتخصصين في اللغة العربية استعرض المراحل التي شهدتها اللغة العربية منذ بداية عصر المطبعة والصحافة وصولاً لعصر العولمة والتساؤلات التي تتعلق بوجودها وصلاحيتها وقدرتها على القيام بأعباء التعبير والتواصل في مجتمع مختلف جذرياً عن مجتمع النقاء الأصلي الذي انطلقت منه.
وبين د. الضبيب أنواع التجديد الذي استهدف اللغة العربية الفصحى في العصر الحديث في محاولة لردم الفجوة التي يرى البعض أنها تفصل بين اللغة ومستعمليها، مؤكداً أنه ليس كل تجديد يهدف إلى المحافظة على اللغة بل من التجديد ما هو هدام ويستهدف القضاء على اللغة العربية، وأشار د. الضبيب إلى أن موجات التجديد اللغوي قد تراوحت بين التجديد الكلي والجزئي، مبينا أن هذه الموجات ارتكزت على ثلاثة محاور أحدها تجديد التغيير، والثاني تجديد التطوير، والثالث تجديد التيسير، موضحا أن المقصود بتجديد التغيير هو النمط الذي يثور على اللغة في شكلها ومضمونها ويَعُد الفصحى أداة تخلف سواء في ذاتها أو بعض مكونتها الموروثة، ويتجلى هذا النوع في عدة مظاهر كهجر الفصحى إلى لغة أجنبية، وهجر الفصحى إلى العامية، وتغيير حروف اللغة العربية وأرقامها إلى الحروف اللاتينية، أو استحداث حروف جديدة مغايرة للموروث العربي، بالإضافة إلى تعديل اللغة من حيث الجنوسة، وإلغاء الإعراب وقواعد النحو والصرف أو بعضها في الكتابة.
أما تجديد التطوير فهو الذي يروم جعل العربية وافية بحاجة العصر ومواكبة للتطور،وقد شمل نواحي مختلفة، وقد قاد_ كما يقول _ مجمع اللغة العربية بالقاهرة هذا النوع من التجديد من خلال قراراته العديدة في أصول اللغة والألفاظ والأساليب بالرغم من أن هذه الأفكار لم ترق لكثير من المحافظين، وبين أن التجديد في هذا المحور لم ينفرد فيها المجمع إنما دار الحديث عنه بين المفكرين والممارسين للكتابة العربية، ويشير البروفسور الضبيب إلى أن التفكير في إصلاح الكتابة العربية وتطويرها إلى عاملين مهمين وهما اتصال العرب باللغة الأجنبية ونقل ألفاظها إلى العربية، واستخدام العرب للمطبعة، حيث فرض عصر المطبعة على العرب أن يعيدوا النظر في حروف اللغة.
وتناول البروفسور الضبيب النوع الثالث من التجديد وهو تجديد التيسير موضحاً أن هذا النمط من التجديد يمثل جهود العلماء والمختصين من النحاة واللغويين الذين عكفوا على دراسة قواعد النحو القديم بهدف تيسيرها للناشئة من أجل أقدارهم على امتلاك ناصية الفصحى وتذليل الصعوبات التي تعترض دارس اللغة والمبدع فيها وقد ظهرت هذه الدعوة مع تأليف بعض الكتب المبسطة للطلاب عوضاً عن المتون القديمة كمؤلف رفاعة الطهطاوي (التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية) وأحمد المرصفي (تقريب فن العربية لأبناء المدارس الابتدائية) وتمثل مثل هذه المؤلفات المرحلة الأولى من تجديد التيسير وهي التي خرّجت النحو من دائرة المتون والحواشي والتقارير، ويشير الضبيب إلى أن هذه الأفكار التجديدية ما لبثت أن استهدفت النظام النحوي بكامله والفلسفة التي قام عليها حيث كانت أول محاولة عند الأستاذ إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء النحو) الذي صدر سنة 1937 وهي أول محاولة تطبيقية بهذا المفهوم الجديد وقد صادفت تلك المحاولة قبولاً في الأوساط الرسمية على الرغم من النقد الذي وجه إليها من قبل بعض النحويين المحافظين، وقد ظهرت معظم ملامحها تطبيقيا في مقترح وزارة المعارف المصرية، وبالرغم من أن هذا المشروع طبق في المدارس المصرية إلا أن تطبيقه لم يدم طويلاً، كما أشار الضبيب إلى محاولة الدكتور شوقي ضيف التي عرضت على مجمع اللغة العربية أكثر من مرة.
ثم انتقل الدكتور أحمد الضبيب إلى الشق الثاني من عنوان المحاضرة وهو المأمول من التجديد اللغوي وبين فيه رؤيته حول ذلك، حيث أكد أن استعراضه الآنف لملامح التجديد اللغوي في العصر الحديث تبين أن معظمها كانت نداءات وانطباعات كتبها كتاب أو مثقفون وأن جانب التخصص لم يكن بارزاً،سوى في محاولات قليلة، ودعا الضبيب إلى وضع إستراتيجية لغوية عربية تعيد للغة العربية ألقها بين الناس، وتجعلها مأنوسة محبوبة بينهم، ويؤكد أن مثل هذه الدعوى لا يمكن لها النجاح ما لم تنبع من إيمان عميق لدى السلطة السياسية والثقافية والاجتماعية في البلاد العربية، وقال لكي تنجح هذه الدعوة
وهذه الخطوة التجديدية المأمولة وتؤتي ثمارها لابد أن تقوم على أسس أربعة حيث نبدأ باستكشاف مزاج الإنسان العربي اللغوي في هذا العصر وذلك بالقيام بجمع لغوي جديد للغة العربية الفصحى المعاصرة، ثم دعا بأن يكون الإعراب محافظا عليه غير مفرط به في هذا الجديد كأساس ثان، وبين أن الأساس الثالث في أن يكون تراث الأسلاف اللغوي والنحوي هو المرجع في وضع القواعد والمصطلحات كي لا ينفك الارتباط بلغة التراث مع فتح باب الاجتهاد لمعالجة ما استجد من أساليب وتراكيب، وختم الأسس الأربعة بأن يكون الهدف من تعليم اللغة الفصحى هو في الارتقاء بها لتكون سليقة النشء، وأن يستطيع الطالب القراءة والكتابة تلقائياً وأشار إلى العديد من التطبيقات الناجحة في هذا الأساس.
وفي نهاية المحاضرة أتيح للحضور المداخلات والتي تناولت بعض ما طرحه المحاضر بالتعليق والإضافة وطرح بعض الأفكار والاقتراحات في مسألة اللغة ومستقبلها وقام المحاضر بالتعليق والرد عليها.