تأمل أخي الكريم إلى هذا الحديث العجيب وهو في صحيح مسلم عن عمر بن أخطب قال (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المِنْبَرَ فخَطَبَنا حتى حضرتْ الظهر، فنزلَ فصلى، ثم صعدَ المنبرَ فخَطبنا حتى حضرتْ العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعْلَمُنا أحْفَظُنا). أنظر إلى هذه الخطبة العظيمة والطويلة جداً، تمتد من صلاة الفجر إلى غروب الشمس، نصف يوم تقريباً والنبي صلى الله عليه وسلم واقف يخطب ويتكلم ويبيِّن أموراً عظيمة وغريبة ومستقبلية. قال ابن حجر (ودل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدئت الى أن تفنى الى أن تُبعث، فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد. وفي تيسير إيراد ذلك كله في ملجس واحد من خوارق العادة أمر عظيم ويقرب ذلك مع كون معجزاته لا مرية في كثرتها أنه صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم). وهذا من الأمور العظيمة حقاً أنه صلى الله عليه وسلم يتكلم هذه المدة كلها وهو أعطي جوامع الكلام لذلك استطاع أن يذكر أخبار الماضين والقادمين الى قيام الساعة في خطبة طويلة جداً لكنها أيضاً بمقياس الأخبار التي ذكرها مدة قليلة جداً وهذه تظهر حرص النبي صلى الله عليه وسلم تعليم أصحابه تلكم الأخبار غير الذي كان يعلمهم إياه دائماً في مواضع كثيرة لكن الله له حكم في أن الصحابة قد نسوا أكثر تلك الأخبار وربما تذكروا شيئاً منها بعد حدوثها. وهذه الخطبة لا تنافي حثه صلى الله عليه وسلم على قصر الخطبة فإنه هنا موضع الواعظ وليس في الخطبة يوم الجمعة مع وجود أسباب أخرى أشار إليها. قال صاحب تحفة الاحوذي (قلت لا تنافي بينهما لورود ما في حديث أبي زيد نادراً اقتضاه الوقت ولكونه بياناً للجواز وكأنه كان واعظاً والكلام في الخطب المتعارفة) انتهى. نعم الخطب المتعارف عليها يوم الجمعة تكون قصيرة لكن إذا احتاج الواعظ الى تفصيل يغير خطبة الجمعة فجائز على ألا يشق على الناس. والله أعلم.
*تبوك