لا يخفى على المطلع على تاريخ العرب قبل الإسلام ما كان عليه المجتمع في الجزيرة العربية من جهالة جهلاء، وضلالة عمياء، في جميع النواحي: من انتشار الشرك، وعبادة الأوثان، والظلم، والقتل، والفوضى، ووأد البنات، وغير ذلك مما هو معلوم.
ولما أراد الله خيراً بالبشرية جمعاء، وبالعرب في جزيرة العرب خاصة، أرسل فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آيات الله، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فهداهم الله بالقرآن العظيم، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، من ظلمات الظلم والعسف إلى نور التوحيد والرحمة، فأصبح ذلكم المجتمع كله كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وكالبنيان يشد بعضه بعضاً، وصدق الله العظيم القائل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).
وأما في العصر الحديث فإن المجتمع في شبه الجزيرة العربية قبل توحيدها على يد الملك المجاهد عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -طيب الله ثراه- كان في غاية السوء من حيث التشتت، والتمزق، وانتشار العداوة.
ولما وفق الله الملك المؤسس -رحمه الله- وأعانه على توحيد شمل شبه الجزيرة العربية باسم المملكة العربية السعودية، تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) كان الأساس المتين والركن الركين الذي بنى عليه إصلاحه للمجتمع وتوحيده، هو التمسك بالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، فكان من ثمرات ذلك، ونتائجه العظيمة أن أصبح المجتمع السعودي -بحمد الله- معتصماً بحبل الله، موحداً بعد الفرقة، وقوياً بعد الضعف، ومتعلماً بعد الجهل، وغنياً بعد الفقر، وذلك كله بفضل التمسك بكتاب الله - تعالى- وصدق الله العظيم القائل: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)، ذلكم كان إضاءة صغيرة، وإلمامة سريعة إلى أثر القرآن الكريم في المجتمع السعودي، وتطوره، ورقيه، ورغده، وأمنه وأمانه، وطمأنينته.
وإذا نظرنا إلى أثر الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في المجتمع السعودي، نجد أن أثرها مستمد من الرسالة التي تقوم بها، وهي تربية الناشئة على هدي القرآن الكريم، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، والعمل بأحكامه، ليكونوا مواطنين صالحين، معتزين بدينهم، وأمتهم ووطنهم، أي: أن أثر هذه الجمعيات الخيرية هو المحافظة على التمسك بالقرآن الكريم، لتجني الأمة ثمار ذلك التمسك، وتنعم بالفضائل والمنافع والفوائد التي وعد الله -عز وجل- بها من تمسك بكتابه، واهتدى بهديه، واعتصم بحبله.
وتزداد أهمية الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن أنها تهتم بالشباب والناشئة الذين هم عماد الأمة ومستقبلها، وعمودها الفقري، فإن توجه الشباب إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم فيه فوائد عظيمة تعود عليهم، وعلى المجتمع:
أولها: حفظ القرآن، والتنشئة على هديه.
ثانيها: المحافظة على الصلاة مع جماعة المسلمين.
ثالثها: قضاء أوقات فراغهم فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة.
رابعها: البعد عن الأماكن السيئة، وحفظهم عن أن يستدرجهم المتربصون بهم إلى ما لا تحمد عقباه، وإغوائهم إلى طرق الانحراف، والمخدرات والمسكرات، أو إلى طرق التطرف والغلو.
وخاصة أن هذه الجمعيات المباركة تعمل في النور، وأمام مرأى ومسمع من ولاة الأمر، والجهات المسؤولة، وحلقاتها تقام في المساجد أمام إمام المسجد، وجماعته، وأولياء أمور الطلبة.
كان ذلك بعض آثار جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في المجتمع السعودي، ونسأل الله -تعالى- أن يديم على بلاد الحرمين الشريفين نعمة التمسك بالكتاب والسنة، ونعمة الأمن والأمان، وأن يوفق ولاة أمرنا، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين إلى ما يحبه، ويرضاه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* وكيل الوزارة للشؤون الإدارية والفنية