على الرغم من كثرة الدراسات العلمية والطبية التي تؤكد أن الكآبة عدو للصحة، وأن الابتعاد عنها هو عين الصواب، وأنها تدمر خلايا البدن، وتعجل بشيخوخته وهرمه، وتؤدي إلى اضطرابات ومشاكل لا يسلم منها جزء من البدن، إلا أن تلك المدعوة (الكآبة) على الرغم من ذلك ما زالت تتربع على عرش أهم الاشكاليات التي يعاني منها البشر، فيندر أن يمر صباح إلا وترى كئيباً هنا وكئيباً هناك، هذا يندب حظه، وهذا يشتم وقته وآخر ينقم على مجتمعه.
يحاول أحدنا أن يخرج من بيته ببسمة يوزعها ذات اليمين وذات الشمال، فالبسمة - وكلنا يعرف - من أنواع الصدقات - ولله الحمد-، ولكن لا يلبث المرء سواء في الطريق، أو في الوظيفة، أو مجالات الحياة العامة، والمرافق الاجتماعية أن يجد ما يدفعه للكآبة على الأقل تضامناً مع المكتئبين، فمن المعروف أن من أبرز عوامل الكآبة هو عامل العدوى، نعم العدوى بين البشر، فالسعيد يفرح الآخرين، والكئيب يحزنهم، وبهذا تنعكس كآبته وحزنه على من سواه - والله المستعان-.
طبعاً للحزن أسباب، والإنسان بطبعه له مزاج معين ونفسية معينة، وأفكار وأخلاقيات وتعامل مع البشر، ويتعرض لما يحزنه، وهذا أمر عادي، ومن الصفات المعروفة للنفس البشرية. أما أن يكون الإنسان حزينا كئيبا على الدوام فهذا طامة كبرى، بحيث أن صاحبها يضخم الأمر، فيصبح الأمر الصغير هماً كبيراً لديه، لا بل قد يتحول لديه بعض الفرح إلى حزن، ولا يمكن لهذا أن يسعد الآخرين، لأنه لم يستطع إسعاد نفسه، الأمر الأخطر أن ذلك ينعكس على إنجازه وعمله، فقد أكدت الدراسات أن الشخص السعيد المندفع في عمله، الناظر للحياة بنظرة تفاؤلية، يستبشر بالخير، هو شخص أقدر على العطاء والإنجاز من ذلك الذي يرفل في ثياب الحزن والكآبة على الدوام، لا يبتسم كما يقال حتى ولو كان في أسعد الظروف والمواقف!!
الضحية إذاً هو نفس المكتئب والضحايا من حوله كثر، فهناك عائلته وأطفاله وأقاربه وأصدقاؤه، والمجتمع من حوله والخسارة شاملة والمصيبة أكبر كلما تزايد عدد المكتئبين.
هناك قضية جوهرية في هذا الإطار وهي أن هؤلاء حتى لو حاولت مساعدتهم والدخول لأعماقهم وإدخال السرور والحبور لقلوبهم فإنهم يكرهونك لأنهم لا يريدون الخروج من قوقعتهم ودهاليزهم الحزينة.
إذا كان الحزن والبكاء والقلق من صفات النفس البشرية التي تنتابها بين حين وآخر، فإن الكآبة الدائمة المستديمة أمر خطير، وليس بصفة طبيعية، وعلينا الخلاص منها، وأنجح علاج لذلك هو الاعتصام بحبل الله المستقيم، وتسليم زمام النفس كلية لقضاء الله وقدره، وهو الذي يحيلها لأجر وثواب وبسمات وسعادة، وبقدر ثقة الإنسان بنفسه، وقوة إيمانه تكون المصائب من حوله هينة وعلاجها بسيطاً، وأنا بذلك لا أتهم المكتئبين -لا سمح الله- ولكن أوجه لهم النصيحة بأن الحل في أيديهم، فها هو كتاب الله يدعوهم إلى سعادة الدارين: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وها هي المساجد تنتظر خطواتهم، وها هي أفعال الخير تناديهم، وها هو الدعاء يطلب منهم أن يؤدوه، فهل هم فاعلون ذلك؟
إذاً على الرغم من الكآبة فالحل موجود، والطبيب هو نفس الشخص المكتئب الذي سيختار الطريق الذي يسلكه، وفي حال سلك طريق المنهج الرباني سيجد أن الله قد هيأ له الكثير من الظروف، والأشخاص، والمواقف، والأحوال التي تسير به من طيب إلى طيب، ومن فرح إلى سعادة أشمل، ومن بسمة إلى فرح يعمر القلب بالحب والعطاء، والله على كل شيء قدير، وهو ولي التوفيق.
alomari1420@yahoo.com