مالي - خاص بـ(الجزيرة)
أيد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي الشيخ محمود بن محمد ديكو الدعوة إلى فكرة تجديد الفكر الإسلامي والأخذ بمقتضيات العصر مع عدم المساس بالقواعد والأصول والكليات، موضحاً أن الأمة بحاجة إلى تجديد الفكر الإسلامي، فكل صاحب رأى ثاقب وعلم واسع، واطلاع جيد بمستجدات العالم وإلمام بالحوادث التاريخية بالفهم الجيد والإدراك المتكامل حري به أن يخوض ذلك الغمار، وقال: إن التجديد لا يعنى إحداث تغيير في البنية الفكرية العامة للإسلام عقيدة وشريعة وقيماً وممارسات يؤدي في النهاية إلى ما لا تحمد عقباه، والدخول في تيه العلمنة والتغريب فيفقد تميزه.
واستعرض الشيخ محمود ديكو بعضاً من معوقات تجديد الفكر الإسلامي لأثرها البالغ في الوقوف حجر عثرة في نهوض وتجديد الفكر الإسلامي وهي: الجمود والتقليد، والغلو المذهبي، ومصادر التثقيف السيئة، والغزو الفكري، والثقافي، والآثار السلبية للعولمة.
ووصف في حديث ل(الجزيرة) عن مقومات تجديد الفكر الإسلامي وسبل المواجهة الغلو المذهبي مظهر من مظاهر ضعف البصيرة بالدين، والاشتغال بكثير من المسائل الجزئية والأمور الفرعية عن القضايا الكبرى التي تتعلق بكينونة الأمة وهويتها ومصيرها، فالتضييق والتشدد والإسراف في القول وعدم الحيادية والتوسع في الاطلاع والمقارنة بين الآراء الفقهية والاستنباطية والاجتهادية لأن المذهب والمدارس الفقهية مبنية على الاجتهاد والاستنباط واختلاف الآراء وهيهات أن يتفق الناس على المسائل الاجتهادية.
وشدد على أن الغلو المذهبي والتشبث في مسألة اجتهادية وعدم الاعتداد برأي الآخر أمر مرفوض شرعاً مهما كانت الأسباب والمسوغات. فالغلو والتشدد وعدم الاعتداء برأي الغير يؤدي إلى حجر العقول. فالمعيار والمقياس الدقيق المنضبط الذي يجب أن تحكم به الأمور قوله - صلى الله عليه وسلم -:(كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد).
وحذر فضيلته من مصادر التثقيف السيئ والمتمثلة في: عدم تلقي العلم من أهله أو من المتخصصين بمعرفته أو من مصادره الأصيلة وخاصة القرآن الكريم، والحديث النبوي فينتج عن ذلك قراءة سيئة وفهم سيئ واستنباط سيئ والتباس للمفاهيم، واتباع المتشابهات وترك المحكمات دون معرفة بمراتب الأحكام الشرعية إذ إنها ليست في درجة واحدة من حيث ثبوتها وبالتالي من حيث جواز الاختلاف فيها، الكتب العلمانية اللا دينية، وكتابات المستشرقين غير المنصفين وخاصة في مجال الشريعة والتي لا تسلم من المخاطر والثغرات والآفات لبث السموم، والطعن في الشريعة (التباس المفاهيم) وهذا يؤدي إلى إرباك في الفهم والتسرع في الحكم - وخطف الأحكام من النصوص خطفاً دون تأمل ولا مقارنة.
وفي حديثه عن الغزو الفكري والثقافي.. قال: إن الانفتاح على ما عند الغرب من تقدم تقني نافع للبشرية لا يعني, ولا يقتضي أن نقايض قيمنا بالاندماج القسري في ثقافته، فالانسلاخ التام والولاء الأعمى للغرب غير ممكن، غير أنه لا مانع من الاستفادة من الإبداع التقني والصناعي، وتبادل المنافع معه، وحقيقة الغزو الفكري والثقافي بأن يشلوا فاعلية الإسلام في حياة المسلم. ويتركوه في الحال التعسة لا هو مسلم ولا هو غير مسلم نتيجة ستكون لصالحهم في كل الأحوال، لافتاً إلى أن الغزو الفكري تركز في: التشكيك في صلاحية الأسس وخاصة الخلافة، والتشكيك في ثقافة القرآن الكريم، وإفساد الأسرة، وتخريب التربية والتعليم.
وأفاد أن وسائل الغزو الفكري تتمثل في: إثارة الخلافات العقدية بين المسلمين، وإفساد صفاء العقيدة وإغراقها في متاهات التشكيك، واصطناع عصبيات جديدة بدل عصبيات الجاهلية، وطرح النظريات, والأفكار المناهضة للدين، ودعم وتأسيس الحركات المعادية للإسلام، والدور الماسوني والتسلل تحت شعارات خادعة، التعبئة الإعلامية المركزة للفكر الغازي.
وحذّر الشيخ محمود بن محمد ديكو من تراجع دور المؤسسات العلمي الديني وقال: إن التعليم والثقافة تصور شخصية الأمة وملاحمها الفكرية والنفسية وتشرح عقائدها التي ننطلق منها، وأهدافها التي تنطلق إليها وتقاليدها وأخلاقها وشرائعها وكذا آدابها، وهذا ما حد بالاستعمار العالمي إلى ضرب التعليم الديني، وتوهين معاهده إما بالإجهاز عليها، وإما بشكل حراكها وإبقائها صورة هامدة أو اسما بلا مضمون، مشيراً إلى أنه نتج عن ذلك أمور خطيرة منها، اضمحلال العقل الديني الإسلامي، والثاني ضعف الدراسات الدينية ودورها، واضمحلال اللغة العربية وآدابها، وانكماشها أمام التقدم الحضاري وقلة المجيدين لها، فنتج عن هذا أن أكثر من 99% من التعليم والمتعلمين توجهوا إلى التعليم المدني أو التعليم المعاصر، إلى جانب قلة الدعم الديني والمعنوي والمادي مما حدا بتراجع دور المؤسسات العلمي الديني.
وخلص إلى القول: إن من سبل وتجديد الفكر الإسلامي معوقاته علينا بأسباب العلم والتعليم والفهم والإدراك فديننا دين اقرأ فبالقراءة والتأني ومعرفة مواطن الخلل تكون سبل مواجهة سقيم الفكر قد نسهم في ضخ روح جديدة للفكر الإسلامي المعاصر من غير إفراط ولا تفريط.