بيروت - منير الحافي
نعمة طعمة، الشخصية اللبنانية المحترمة بمواقفها الهادئة وتصريحاتها المتوازنة، هي انعكاس لموروث من التربية الوطنية في بلدة المختارة الشوفية مسقط رأسه، التي طالما جمعت الدروز والمسيحيين في بيت واحد. من هذا المنطلق، تربى نعمة طعمة، الكاثوليكي الذي درس الهندسة في الجامعة الأميركية، فكانت له ذخراً إضافياً (لهندسة) شخصيته الفذة.
غادر بعدها إلى المملكة العربية السعودية ليعمل في مجال الإعمار، فاكتسب بعداً عربياً واسعاً.
وعروبة المملكة، تعطي لزائرها والمقيم فيها، أبعاداً في سعة الفكر والانفتاح.
فكيف إذا كان هذا المقيم شخصاً ك (نعمة طعمة) رئيس مجلس إدارة شركة (المباني) العملاقة؟ في عمله السياسي، نعمة طعمة، هو وزير المهجرين سابقاً، ومرشح اليوم مرة أخرى على لائحة وليد جنبلاط و14 آذار في الشوف.
تحدث إلى جريدة الجزيرة مطولاً في منزله الكائن في النقاش شرق بيروت.
وكان حوار في الانتخابات والعلاقات اللبنانية السعودية، إضافة إلى ملف المهجرين. وفي ما يلي الحوار كاملاً.
* قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات في السابع من حزيران - يونيو، كيف هو الجو العام عند لائحة الشوف، وبشكل خاص عند المرشح نعمة طعمة؟
- أتمنى النجاح لهذه اللائحة التي تضم تيار المستقبل، حزب الوطنيين الأحرار، القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي وأيضا المستقلين. التنوع في الشوف وإقليم الخروب يدل على التلاقي والتلاحم. ولطالما كان الشوف والإقليم يتميزان بجو تفاهم ومصالحة وعيش مشترك. صحيح أن الاجتياح الإسرائيلي (للبنان) في العام 1982 سبّب ما سبب من مشاكل بين أهلنا في الشوف، وهنا لا أبرئ أحدا من أي مسؤولية، إنما هذا الشيء كان سببه الإسرائيلي ووجوده في المنطقة وقيامه بتحريض فئة على أخرى، وهذا ما دفع إلى التهجير.
والحمد لله أنه بعد الهدوء الذي حصل، وبعد اتفاق الطائف بدأت الحكومة اللبنانية وكل الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بمساعدة لبنان كي يعيد جيشه وقوى الأمن الداخلي ومساعدة لبنان في إنماء الدولة لأن الدولة في الحرب الأهلية لم تكن موجودة.
أما اليوم وعلى أبواب الاستحقاق الانتخابي، نحن ليس لدينا حزب شمولي ولا فئة معينة تخضع لفئة أخرى، بل نحن خليط من كل الفئات، وتواصلنا مع أهل الشوف كان تواصلا على طول المدة من 2000 إلى 2005 ومن 2005 إلى 2009 (أي في فترتين انتخابيتين متتاليتين) دون انقطاع.
وأنا أقول عن نفسي بتواضع أنه كل يوم جمعة بعد الظهر، أتوجه إلى الشوف ليكون منزلي يوم السبت مفتوحاً للجميع من أهالي وأصحاب، والبعض يكون لديه طلبات سياسية والبعض الآخر لديه طلبات اجتماعية أو إنمائية، وعلى الصعيد الخاص قمنا بالذي استطعنا القيام به، وقمنا بالعديد من الأمور الايجابية مع النائب وليد جنبلاط ونبيل بستاني وجميع المسئولين في الشوف.
* معاليك كنتم على وزارة المهجرين، فماذا حققتم في هذه الوزارة الحيوية خصوصاً في الجبل، وهناك فئة من اللبنانيين خصوصاً من المسيحيين تقول إن المهجرين لم يعودوا كما يجب؟ وهذا بالطبع لا ينطبق على عهدكم فقط وإنما منذ إنشاء هذه الوزارة؟
- سأعود إلى الماضي ولأول وزارة مهجرين على أيام الوزير الراحل ايلي حبيقة. طبعا بعد حرب أهلية طويلة، نذكرها كي لا تنعاد، لم يجر إحصاء كامل وشامل للتهجير.
يمكن أن تحصي البيوت التي هدمت في الضيعة، هناك قرى انجرفت، وأزيلت بأكملها، ولم تؤخذ بعين الاعتبار البنى التحتية. فإذا كنت تريد إعادة بناء بيت لأحد الأشخاص، لم يكن يتواجد لهذا البيت طريق أو تصل إليه كهرباء أو هاتف أو أي من الوسائل الحياتية، فكيف تريده أن يعود المهجر إلى هذا البيت الذي أعيد بناؤه؟ والأمر الآخر الذي لم يؤخذ بعين الاعتبار، هو مسألة الناس التي هُجرت من الجنوب أو من مناطق أخرى بسبب الحرب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي.
الإحصاءات (الرسمية) لم تأخذ بعين الاعتبار التعويض لهؤلاء الناس الذين فقدوا منازلهم في الجنوب أو البقاع أو مناطق أخرى، والذين احتلوا بالتالي منازل أخرى منتشرة وخالية والتي غادر أصحابها إلى سكن آخر.. هذه العوامل لم تؤخذ بعين الاعتبار في الإحصاء والوزارات المتعاقبة لم تلحظ ذلك.
* لكن اُخذ عليكم انه خلال تعاقب كل الحكومات السابقة، لم تعيدوا خصوصا أهل الجبل والشوف إلى بيوتهم، وهذا الكلام يردده العماد ميشال عون؟
- عندما تسلمت هذه الوزارة منذ عام 2005 إلى 2008، أخذنا كل هذه الملفات والطلبات المقدمة إلى وزارة المهجرين، واستقدمت محاسبين من خارج الوزارة -على عاتقي الخاص- لإحصاء البناء المهدم والذي يجب ترميمه إضافة إلى الإخلاءات والمطلوب من بنى تحتية وصرف صحي ومداخل وكنائس وجوامع وحسينيات، وتقدمت إلى مجلس الوزراء بهذه الطلبات وقمت بمكننتهم -على حاسبي الشخصي أيضا. وهكذا تستطيع الحصول على معلومات كافة الطلبات دون اللجوء إلى الوزارة لاسيما انه بعد العام 2002 أقفلت مهلة تقديم الطلبات.قدمت هذه اللائحة بالأسماء وبالتفاصيل المطلوبة إلى مجلس الوزراء.
وفي عامي 2005-2006، حيث كان وزراء حزب الله وحركة أمل موجودين في الحكومة (لم يستقيلوا بعد)، كنا نقول علنا إننا بحاجة إلى هذه الأموال من اجل إقفال هذا الملف وطلبت وعدا خطيا من رئاسة الوزارة، وإلا كنت سأستقيل من الوزارة. أخذت وعدا خطيا إذاً، وعلى هذا الأساس واصلت العمل، وأول دفعة حصلت عليها هي في شباط 2006، أي بعد سبعة أشهر من تسلمي الوزارة. وفي هذا الملف واجهت أمرين:
كان الجيش العربي السوري موجوداً في لبنان، وقد وضع يده على عدد من الأبنية والأراضي في مختلف أنحاء لبنان. والجيش اللبناني كان متواجداً في مساكن وأراض لضرورة الوضع آنذاك.
هذا الأمر، تطلب وضع إحصاء جديد. ولأننا لم نكن نستطيع الدخول إلى تلك الأماكن (العسكرية) في 2005، أضفنا مبلغاً تقديرياً زيادة عن المبلغ الذي كنت قد طلبته سابقا.
وواصلت العمل باقتراحي البدء بقرية قرية، لكن الأموال التي وعدت بها لم تدفع مثلما يجب، بسبب عجز الخزينة، وليس بسبب غياب الإرادة. كنا قد بدأنا التحضير لأخذ دين من البنوك المحلية بقيمة الأموال المطلوبة لإقفال الملف. وخلال شهري أيار وحزيران عام 2006، كنا على وشك الحصول على هذا القرض بالقيمة كاملة لسداد المال المطلوب. وهناك قانون صوت عليه البرلمان عام 2001 يسمح لوزارة المهجرين أن تستدين بالدولار المبلغ المطلوب وهو 300 مليون دولار لإقفال ملف المهجرين، إضافة للذي كان مرصودا في الموازنات السابقة آنذاك. وما تم استهلاكه في الأشهر الأولى من العام 2006، هو قسم بسيط من المتوفر في الموازنات السابقة. لكن فجأة حصلت حرب تموز 2006 وتوقف كل شيء. ومن وقتها، كنا نسير أمور الناس بالأموال المتوفرة في الموازنات السابقة وأخذنا سلفة خزينة بقيمة حوالي تسعين مليار ليرة، وكان هناك مبلغ مواز من الموازنات السابقة، ووقف العمل هنا. لكن رغم شح الأموال عاد الناس. وأنا تكلمت مع السيدة منى همام، المسئولة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي آنذاك وطلبت منها أن تعلن هي عن إحصاءات العودة التي بحوزة الأمم المتحدة.
* إذا السبب المادي هو الذي عرقل، وكان هناك بعض الأقاويل للعماد ميشال عون خصوصاً عنكم خصومه السياسيين، انه بدل الكلام في السياسة (رجعوا المهجرين)؟
- الكلام الذي قيل هو إعادة المهجرين، ونحن مع إعادة المهجرين. أنا استقالتي كتبتها. ولو لم تكن هناك من قضية تطيير نصاب بعد حرب 2006، في حال فقدت الحكومة عددا من وزرائها، لكنت قدمت استقالتي. أمر النصاب، هو هذا الذي جعلني أبقى وخلال كل اجتماع لمجلس الوزراء كنت أطالب بهذا الموضوع.
* كيف تنظرون لحل هذه المشكلة بعد الانتخابات وأنت قد عانيت منها خلال تسلمك الوزارة؟
- أنا أتكلم من خلال ما رأيته قبل أن أصبحت وزيراً، فقد كنت نائبا وكنت اعمل في الشأن العام من دون أن اظهر منذ العام 1993م. المسألة هي مسألة مالية فقط لا غير وليست سياسية ولا يوجد أحقاد.
* هناك كلام انه يوجد قرار يقضي بعدم إرجاع المهجرين، وبأن النائب وليد جنبلاط وجماعته، لا يريدون ذلك كي يبقى هذا الموضوع مثل (قميص عثمان)، يستعملونه أينما يريدون؟
- بالعكس، النائب وليد جنبلاط أول شخص يريد إرجاع المهجرين وهو يدفع من جيبه حتى اليوم من اجل عودة المهجرين.
هناك الكثير من الناس الذين ليس لديهم مكان سكن آخر، على حسابه الشخصي وعلى حسابي الشخصي أيضا نرجعهم ونعمر لهم بيوتهم. هذا الشيء منافي للواقع والحقيقة.
* مؤخرا شاهدناكم مع النائب جنبلاط تفتتحون كنيسة؟
- نعم، قاعة كنيسة في المختارة. الكلام الذي يردده البعض غير صحيح. عدم إقفال الملف ناتج عن إحصاء غير صحيح لمتطلبات وزارة المهجرين.
وهكذا فإن كل شيء يتعلق بالأشغال العامة أو الكهرباء والصرف صحي، تحولت ميزانيته إلى وزارة المهجرين التي لديها الطرق الأسرع للتلزيم والتنفيذ والذي هو صندوق المهجرين.
* وماذا عن المصالحات بين أبناء القرى الجبلية؟ هل استكملت؟
- هناك قلة من المصالحات الباقية.
* معالي الوزير، مؤخرا كنتم مع النائب جنبلاط والوزير غازي العريض وعلى متن طائرتكم الخاصة توجهتم إلى المملكة العربية السعودية. التقيتم بخادم الحرمين وعدد من المسئولين. كيف يمكن أن توصف لقاءاتكم هناك؟
- اسمح لي أن أعود قليلاً إلى الوراء. في سنة 1973 قبل الحرب الأهلية في لبنان، أردت أن أوسع نطاق عملي، وكنت مهندسا خريجاً من الجامعة الأمريكية أعمل في الإعمار.
فتوجهت إلى المملكة العربية السعودية وذلك على أيام الملك فيصل رحمه الله، وأقفلت آنذاك قناة السويس وبدأ سعر البترول بالارتفاع.
وأسست عام 1974 مع إخواني السعوديين شركة المباني، وهذه الشركة يوجد فيها اليوم حوالي 17 ألف موظف.طبعا القيادة في الشركة، من مخططين ومهندسين ومحاسبين أغلبهم لبنانيون وهم من جميع الطوائف والمناطق اللبنانية، لأننا نأخذ الإنسان نسبة لكفاءته وشهادته وأخلاقه وليس لتوجهه السياسي أو مذهبه.؟؟
الحرب في لبنان اندلعت عام 1975 والمطار أقفل، وأنا طلبت عددا كبيرا من التأشيرات على المطار من صاحب السمو الملكي الأمير فواز بن عبد العزيز رحمه الله أمير منطقة مكة.
كنت أذهب إليه وبيدي 10 أو 15 اسما وأقول لصاحب السمو: أريد أن آتي بهذه الأسماء من لبنان على كفالتي، فيأتون عن طريق قبرص أو الشام. إذاً، السعودية أمنت وظائف للبنانيين. والموظف اللبناني في السعودية، يبعث بالأموال إلى عائلته في لبنان أثناء الحرب هذا أكثر ما اثر بي. طبعا إلى جانب المواقف السعودية السياسية والدبلوماسية العالمية. وأعتقد أن لا أحد من المسئولين اللبنانيين بعد العام 1975 إلا وذهب أغلبهم إلى السعودية. واذكر هنا انه أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006، أول مساعدة أتت من أجل المهجرين والمنكوبين، هي مساعدة سعودية بنصف مليار دولار، فكيف ننسى هذا الأمر، خصوصاً أن السعوديين أكملوا المساعدات فيما بعد. لكن هذه المساعدات لم تعطى لفئة معينة بل لكل شخص تضرر منزله وذلك عبر الدولة.
وهؤلاء الناس هم من الجنوب والضاحية والبقاع وليس من جونية وبيروت. فكيف نقول إن المملكة هي مع فئة وليست مع فئة أخرى؟. شخصياً موقع على 37 ألف معاملة قبل أن أترك الوزارة بمبلغ 80 مليون ليرة كمساعدة لكل صاحب بيت مهدم، وأما في البقاع فـ50 مليونا.
* وبالنسبة إلى آخر زيارة لكم؟
- نحن قمنا بعدة زيارات وآخر زيارة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، قال: إن بيروت بالنسبة لي الرياض، والرياض هي بيروت. وهذا الكلام يذكره كلما أتيت، وقال أيضا: (إننا على مسافة واحدة من الجميع، نحن نعتبر لبنان بلدنا الثاني وأي شيء يمسكم يمسنا، فلماذا تفعلون بحالكم هكذا؟ اتحدوا. ونحن نعزكم جميعاً وندعمكم لكن تصالحوا مع بعضكم البعض).
* هل تكلمتم عن الانتخابات النيابية، لأنه كان لديك تصريح مؤخراً مفاده أن المملكة لا تتدخل بالانتخابات؟
- أبدا، قالوا إنهم لا يتدخلون، بل كان لديهم بعض النصائح قالوها علناً في المؤتمرات. ونحن تكلمنا بالقضية الفلسطينية والقضية اللبنانية مع خادم الحرمين.
* ماذا تحدثتم مع خادم الحرمين عن المرحلة المقبلة؟
- قال توحدوا ونحن موجودون أمامكم. هذا الكلام يردده دائما وأنا التقيه في الوفود الرسمية أو كرجال أعمال أو تلاقي للتحدث عن الاستثمارات في السعودية. أنا اعتبر السعودية وطني الثاني، دائما خادم الحرمين يقول إننا لا نمشي مع فئة ضد فئة توحدوا ونحن مع الدولة.
* معالي الوزير، في الختام، عودة إلى الانتخابات. هل تتوقعون أن تربح لائحتكم كاملة في الانتخابات؟
- إن شاء الله، أنا متأكد من أن لائحة الشوف ستفوز بأكملها، لان التوقعات تشير إلى ذلك، ونأمل لكل ثورة الأرز أن تفوز في أكثرية الدوائر. هذا تمنٍ لأننا لا نستطيع أن نقول للناس أن يصوتوا غصباً، لأننا مع الحرية والديمقراطية.