Al Jazirah NewsPaper Thursday  04/06/2009 G Issue 13398
الخميس 11 جمادىالآخرة 1430   العدد  13398
السؤال الحلم: مَنْ يُخرج طلابنا من كهف (التقليدية) إلى فضاء (الترفيه)؟؟
سهم بن ضاوي الدعجاني

 

سؤال مللنا نحن الآباء من تكراره وترديده صباح مساء: لماذا يذهب أبناؤنا إلى المدرسة بتأفف وضجر، تعلو وجوههم البريئة مسحة صباحية متكررة (همّ وحزن وقلق)؟.. وعندما يضطر أحدنا لإخراج أطفاله من المدرسة سيرى الابتسامة -بلا شك- ترتسم على محياهم،..

وهم يقفزون فرحاً كأنهم يرددون مثل ما كنا نردد قبل سنوات، لحظة سماع جرس الحصة الأخيرة بصيحاتنا الطفولية المعبِّرة: (طلعة.. طلعة).. تذكرت ذلك كله وأنا أنتظر أمام مدرسة (بنياتي) أفنان وجنان لاصطحابهما إلى البيت.. وهناك قرأت شيئاً من ملامح الفرح الطفولي لدى خروج الأطفال من المدرسة.. بينما ألحظ عليهما عدم الفرح لحظة دخولهما إليها بداية اليوم الدراسي.. أنا حقيقة لا ألومهما، فاليوم الدراسي يشوبه الملل والرتابة في كثير من مدارسنا، حيث يأتي المدرس يلقي مادته ثم ينصرف وهكذا حتى سماع جرس الحصة الأخيرة.. سيناريو يكاد يتكرر بشكل ممل إلا من رحم ربي من المعلمين الحقيقيين في بعض مدارسنا المتميزة.

ولكن عندما يطلق مركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية (سايتك) التابع لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن, برنامج (متعة التعليم بالترفيه) يجب على الراصد للحراك التعليمي الذي تمر به بلادنا هذه الأيام أن يكبر هدف هذا البرنامج الوطني الذي يسعى إلى غرس ثقافة التعلُّم بالترفيه ضمن الإستراتيجيات الحديثة التي يتم العمل على تطبيقها في المدارس لدفع عجلة التعليم, والاهتمام بنقل العملية التعليمية في الفصول الدراسية بالطرق التقليدية المعروفة إلى التركيز على الجانب العملي التطبيقي المحسوس خصوصاً أن هذا البرنامج الوليد يسهم في الاهتمام بتبادل الخبرات بين المدارس الواقعة تحت ضوئه المعرفي فيما يتعلق بتطبيق التعليم بالترفيه في المناهج الدراسية.. مستهدفاً جميع طلاب وطالبات المراحل الدراسية المختلفة, وجميع المناهج والتخصصات العلمية والأدبية.. ولقد أكد لي أكثر من شخص أن هذا البرنامج لا يحتاج إلى ميزانية خاصة، وإنما يعتمد كلياً على المواد والخامات البسيطة المتوافرة في البيئة, وكذلك يتم تنفيذه داخل الفصول الدراسية أو خارجها حسب ما يراه المعلم.

لقد بدَّلت النظريات التربوية الحديثة أساليب تقديم المعلومة وطوَّرتها ولا سيما بعد ظهور نتائج دراساتها المرتبطة بسلوكيات الطفل وحاجاته الفطرية.. فمن ذلك إثباتها أن مفهوم اللعب والنشاط لم يعودا نقيضاً للجد والاجتهاد، وتأكيدها أن اندفاع الأطفال للمرح ليس عائقًا لمسيرة العملية التعليمية في حياته.. كما أكدت البحوث التربوية الحديثة أن الأطفال كثيراً ما يخبروننا بما يفكرون فيه.. وما يشعرون به من خلال لعبهم التمثيلي الحر واستعمالهم للدمى والمكعبات والألوان والصلصال وغيرها.. ويعتبر الترفيه وسيطاً تربوياً يعمل بدرجة عالية على تشكيل شخصية الطفل بأبعادها المختلفة، من خلال الألعاب التعليمية المميزة خصوصاً إذا أُحسن تخطيطها وتنظيمها والإشراف عليها ستؤدي دوراً فعَّالاً في تنظيم التعلُّم وفتح آفاق التفكير للطفل، وقد أثبتت الدراسات التربوية القيمة الكبيرة للعب في اكتساب المعرفة ومهارات التوصل إليها إذا ما أُحسن استغلاله وتنظيمه.

وهنا أقترح على وزارة التربية والتعليم في مرحلتها الجديدة أن تفتح ملف التعليم بالترفيه وتعيد النظر في الإفادة من تجربة هذا البرنامج الوليد ليتم نقل التعليم من كهف الجدية والقسوة التي لا تتناسب مع طلابنا في مختلف مراحل التعليم وبخاصة المراحل الأولية، إلى (فضاء) الترفيه لننقل التعليم من مرحلة الرتابة والتكرار الممل إلى أجواء مملوءة بالترفية لنكسب الطالب متعلماً وباحثاً عن المعلومة، وهو في تمام لياقته النفسية تحت مظلة الترفية المحبب له.. وهنا سنحقق مكاسب كثيرة عندما يتخلص الجيل المعاصر من العُقد النفسية التي تتولَّد في دواخلهم، وهم على مقاعد الدراسة بسبب مدرس الضرورة الذي هجر ممارسة التعليم بالترفية.. وأصبح أسيراً للنمطية والتقليدية داخل غرفة الصف وقاسى خارجه.

أخيراً:

مَنْ منا زار مدرسة ابنه ليخرجه لأي ظرف ما وسمع منه : بابا أريد أن أبقى في المدرسة؟ ومَنْ منا دخل الصف على أحد أبنائه ووجده مع زملائه في جو مملوء بالترفيه واللعب الإيجابي.. أنا هنا لا أحمّل المعلم المثقل ب (24) حصة تحقيق هذا الحلم.. لكنها دعوة لإعادة التفكير في مشهدنا التعليمي كله لمعرفة نصيبه الحقيقي من التعليم بالترفيه؟ ولماذا فصولنا الدراسية تخلو من الألعاب التعليمية؟ كما أنها - أيضاً - دعوة لمراجعة واقع المدارس لدينا بدءاً من التخطيط الإستراتيجي لمشروعنا التربوي ومروراً بخطط إعداد المعلم وتدريبه وتحسين البيئة المدرسية وانتهاء بالتجهيزات والمباني المدرسية الحاضنة لمنهجية التعليم بالترفيه لنحقق -بإذن الله- الاستثمار الحقيقي في صناعة أجيالنا القادمة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد