يوصف الإنسان بأنه كائن عاقل، وعقله هو أهم المقومات الأساسية لوجوده والعقل يحتاج إلى ما يثقفه ويطوره ويصقله من تجارب وعلوم. إن عقل الإنسان هو مصدر إحساسه وتفكيره ورغباته.
وحكم الإنسان على ما يسمعه أو يقرؤه من أقوال يعتمد على مقدار فهمه وثقافته وطبعه.
يقول رباح (1430هـ ـ 2009م): إذا كان الفكر أداة ومحتوى، فإن التفكير هو نشاط العقل وفاعليته. ويسعى إلى عقلنة الوجود أو الواقع وفهمه. ومن ثم فالعلاقة جدلية بين الفكر والواقع - الواقع والفكر-. والمعرفة هي نتاج أو حصيلة هذه العلاقة.. والتفكير هو النشاط أو الفاعلية الذهنية أو العقلية التي يقوم بها الجهاز العصبي المركزي - المخ-... وهدف التفكير هو حل المشاكل التي تواجه الإنسان، وتفسير وفهم الواقع الطبيعي والإنساني وكل ما يحيط به من ظواهر في هذا الوجود. ويقول درّاج (2008م): ميز سلامة موسى بين الثقافة والحضارة (فالثقافة هي ما نتكون به، والحضارة هي ما نعمل به). والفرق بين العلاقتين هو الفرق بين النظر والعمل، والتفكير والمراقبة، أو بين العلم والصناعة. تسبق الثقافة الحضارة مثلما يسبق النظر العمل، الأمر الذي يجعل من الحضارة الحيز العملي الذي تختبر فيه المعايير الثقافية. وللثقافة وجوه متنوعة، منها الأدبية والفنية والفلسفية، ومنها أيضاً الثقافة العلمية التي هي شرط الحضارة الصناعية: (لا يمكن لأمة أن تعيش في حضارة صناعية ما لم تحذق الثقافة العلمية التي أدت إليها... والثقافة العلمية هي أساس المجتمع الصناعي، ولا ثقافة جديدة إلا بحراك اجتماعي، ومعيار صحة كل ثقافة جديدة هو التجريب، الذي يفصل بين الذهنية المجردة والذهنية الحية العملية... ويقول دراج أيضاً:... أوكل المثقف الحديث إلى الثقافة دوراً جديداً فهي وسيلة للارتقاء بالمجتمع والنهوض به، أوكل إلى ذاته دور تنظيم (النخبة المثقفة) التي تأخذ على عاتقها إنتاج (مجتمع مثقف). ويقول الوردي (1996م): ينبغي أن نميز بين المتعلم والمثقف، فالمتعلم هو من تعلم أموراً لم تخرج عن نطاق الإطار الفكري الذي اعتاد عليه منذ صغره، فهو لم يزد من العلم إلا ما زاد في تعصبه وضيق في مجال نظره.
هو قد آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه وتحرضه على الكفاح في سبيله. أما المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقي فكرة جديدة وللتأمل فيها ولتملي وجه الصواب منها... ومما يؤسف له أن المثقفين بيننا قليلون والمتعلمين كثيرون.. يقال إن المقياس الذي نقيس به ثقافة شخص ما هو مبلغ ما يتحمل هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه... ومن يدرس جمهور المتعلمين في تطور أفكارهم بين حين وآخر يرى عجباً. فطالما رأيناهم يسخرون من فكرة في هذا اليوم ثم يقدسونها غداً.. إن الإطار الفكري الذي ينظر الإنسان من خلاله إلى الكون مؤلف جزؤه الأكبر من المصطلحات والمألوفات والمفترضات التي يوحي بها المجتمع إليه ويفرزها في أعماق عقله الباطن.. إن كل امرئ في الواقع يلون الدنيا بلون ما في نفسه ويقيس الأمور حسب المقاييس التي نشأ عليها... ليس من العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم وميولهم ولكن العجب بالأحرى أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف.
ويقول فضل الله (1425هـ - 2004م):... على الرغم من أن أخلاق الفرد تبدو في الظاهر خاصة، إلا أنها ليست كذلك في الواقع، إذ هي تنمو في إطارها الجماعي، فتطور وفق تطور المجتمع. فالفرد يستمد أخلاقه وسلوكه من مجتمعه، كما يستفيد منه ثقافته وحضارته ونظمه.. ولما كانت مسيرة المجتمع التطورية مستمرة في حركتها الحضارية أفقياً وعامودياً كان لا بد للفرد من أن يطور سلوكه وفقاً لحركة المجتمع التطورية. وهذا يستتبع بالطبع أخلاقاً جديدة تناسب الحضارة الجديدة وتواكب الاكتشافات العلمية المعاصرة.
نقول: ما ذكر أعلاه ليس من عندنا بل هو مأخوذ من بطون كتب، ومع هذا ومن خلاله سنلقي نظرة على ماهية مجتمعنا السعودي في اللحظة الراهنة. صحيح أنه يوجد في مجتمعنا عدد لا بأس به من المثقفين الذين يكتبون في مجالات ثقافية متنوعة أدبية وفنية وفلسفية وعلمية ولكن غالبية المجتمع لا يقرأ ما يكتبون، ناهيك عن أنهم قد وضعوا حواجز متعددة بينهم وبين بقية الناس، إضافة لذلك فقد حصر بعضهم نفسه في مجموعة متماثلة لا تخرج مناقشاتهم الفكرية حدود مجالسهم الخاصة سوى الإشارة إليها في أحد الصحف المحلية. وصحيح أيضاً أن في المجتمع السعودي نسبة عالية من المتعلمين: ولكن تعلمهم هذا محصور في أشياء محدودة مقرونة بأفكار ثابتة غير قابلة للتغير، وعمل أغلبهم محصور إما في وظائف حكومية أو أعمال مادية تجارية. وحتى ما نسمعه عن مؤتمرات وحوارات ونتائج أبحاث تعقد في الجامعات لا يعلم - أو أنه يحب أن لا يعلم- عموم المجتمع بها. فهناك انفصال شبه تام بين المثقف والمتعلم والمجتمع. والمشكلة في المجتمع السعودي بصورة عامة أن أفكاره موزعة بين الارتباط القبلي والارتباط الفئوي، والارتباط المناطقي. الكل يعرف أن المجتمع السعودي مجتمع عربي إسلامي وهذا مما يجعل أن يكون له مكانة خاصة، وهذه الخاصية لا تجعله في هذا الزمن أن يتقوقع على ذاته فعليه أن يدرك أنه في عصر تغيرت المفاهيم فيه وأن هذا العصر له ثقافة وحضارة مختلفة عما سبقه من العصور. إن سمة هذا العصر الثقافية تحتم على المرء أن يعرف ثقافات الشعوب الأخرى، وأن ثقافات هذه الشعوب وخصوصاً المتقدمة منها هي ثقافة علمية بحثية صناعية أي تقنية وتكنولوجيا أي أن حضارة هذا الزمن حضارة علمية صناعية، فالعلم لا بد أن يكون مقروناً بالصناعة. والذي يبدو لنا في هذه الأيام أن الدولة أسرع في إدراكها لأهمية الثقافة العلمية والبحثية والتكنولوجية من بعض فئات في المجتمع حيث إنها أرسلت أعداداً من الطلاب في بعثات خارجية في تخصصات مختلفة.
فقبل عدة أيام ألقى أحد الدكاترة في جامعة من جامعات الرياض وفي جلسة خاصة شبه محاضرة عن أخطار البعثات الخارجية للشباب من منظور إسلامي وقد يكون له الحق في وجهة نظره، ولكن الأهم من ذلك من وجهة نظرنا هو ثقافة المبتعث وما حصله من ثقافة في مراحل دراسته المختلفة قبل الابتعاث وهذا يعود علينا نحن فيما غرسنا في فكره من معلومات.. وهذا هو دور المثقف.
المراجع:
1- د. إسحق محمد رباح (1430هـ- 2009): (دراسات في تاريخ الفكر العربي).
2- د. فيصل دراج (2008م): (الذاكرة القومية في الرواية العربية من زمن النهضة إلى زمن السقوط).
3- د. علي الوردي (1996م): (خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة).
4- د. هادي فضل الله (1425هـ- 2004م): (مدخل إلى الفلسفة).