إعداد – محمدالزواوي:
كيم هي يونج تخصصت في دراسة مادة الإحصاء في جامعة سوكميونج النسائية في سيول، وهي تحمل حياتها كلها تقريبًا في أيديها: فهي تستيقظ في الصباح عندما يطلق هاتفها الجوال جرس التنبيه، الذي عبارة عن أغنية شعبية كورية عالية الصوت، ثم تقوم بفحص النشرات الجوية على شاشة جوالها قبل أن تختار ما سوف ترتديه. وفي مترو الأنفاق تعبر الآنسة كيم عبر الباب الدوار بعد تمرير هاتفها على صندوق يقوم بخصم ثمن التذكرة عن طريق رقاقة تحتوي على رصيدها المالي. وفي طريقها للمدرسة تستخدم هاتفها الجوال للتأكد إذا ما كان الكتاب الذي تريده قد وصل إلى المكتبة، ثم تقوم بقتل الكائنات الفضائية في لعبة على جوالها، وتقوم أيضا بتحديث مدونتها على شبكة الإنترنت أو تشاهد التلفاز.
وفي الجامعة تقوم هي وأصدقاؤها بتمرير جوالها على الصناديق الإليكترونية عبر الباب لتسجيل حضورها، فلا حاجة إلى سجل حضور أو مراقب لها، فالحاسوب الخادم في كليتها يخرج لها بيانات بأنه قد تم تسجيل دخولها أو أنها تأخرت عن محاضرتها.
تقول كيم 21 عامًا، طبقا لتقرير أوردته صحيفة (نيويورك تايمز): (إذا ما تركت محفظتي في المنزل فلا ألاحظ ذلك طوال اليوم، ولكن إذا ما نسيت هاتفي الجوال فإن حياتي سوف تتعثر بداية من مترو الأنفاق).
فقد أصبح الجوال الآن أكثر من مجرد هاتف، فهو يعمل كجهاز لكتابة النصوص وكاميرا ومشغل موسيقى رقمي، إضافة إلى العديد من الوظائف الأخرى، ولكن يقول الخبراء إن كوريا الجنوبية وبسبب شبكاتها اللاسلكية عالية السرعة وكبرى شركات التقنية مثل سامسونج وإل جي، تعتبر حالة دراسة لمستقبل أجهزة الجوال في العالم.
يقول شيم جي تاي مسؤول تمويل الجوالات بشركة SK للاتصالات، وهي أكبر شركة خدمات لاسلكية بالبلاد: (إننا نريد أن نجمع نواحي متعددة من حياتنا اليومية داخل جوالنا، مثل السيولة المالية وبطاقات الائتمان وكروت العضوية وهويات الطلاب وكل شيء داخل الهاتف الجوال، إننا نريد أن نجعل الهاتف الجوال مركز حياتنا).
ولأن الشباب الكوري الجنوبي يقوم بتغيير هاتفه الجوال مرة كل عام طبقًا لإحصاءات المستهلكين، فإنه من المستحيل تقريبًا أن نتتبع ما يمكن أن يفعلوه بأحدث الموديلات من الجوالات. ولكن استخدام الهاتف الجوال أصبح شائعًا جدًا لدرجة أنه في أي وقت سوف ترى الكوريين الجنوبيين من كافة الأعمار يجلسون في مترو الأنفاق والحافلات مستغرقين في مشاهدة مسلسلات تليفزيونية على أجهزتهم المحمولة باليد، والتي عادة ما تكون هواتف جوالة. فهم يتحدثون في الهاتف وفي الوقت ذاته يقرؤون كتبًا فكاهية على شاشاتهم، ولتلك الكتب مؤثرات صوتية: فالهاتف يقوم بالاهتزاز عندما تنفجر قنبلة في تلك القصة على سبيل المثال.
التلفزيون الجوال
وفي عام 2005 أصبحت كوريا الجنوبية أول دولة في العالم تتلقى فيها هواتفها الجوالة إشارات البث التلفازية، تلك الخاصية التي بدأ الأمريكيون مؤخرا في استخدامها على أحدث طرازات من جوالات iPhones. ومثل العديد من الأماكن الأخرى هذه الأيام، فإن الهواتف أصبحت أيضا آلات حاسبة وقاموسا وساعة ميقاتية، كما أنه يعمل كجهاز تحكم عن بعد للتلفاز وكذلك وسيلة لمعرفة الطريق داخل سيارتك. ويتم أيضا توصيل الصحف إلى الهواتف الجوالة، والبعض أيضا يتم إقالته عن طريق الجوال: ففي مارس الماضي تظاهرت مجموعة من سائقي التاكسي بعدما أرسلت لهم شركتهم رسالة نصية تفيد بالاستغناء عنهم، وهي ممارسة حظيت بسمعة سيئة بعدما تعمقت الأزمة الاقتصادية للبلاد.
وفي كوريا يستطيع بعض الناس أيضا في بعض الأحيان أن يقوموا بتربية حيواناتهم الأليفة عبر الجوال، في إطار موضة عالمية بدأت في التسعينات عندما اخترع اليابانيون الحيوانات الأليفة الرقمية المعروفة باسم تاماجوتشي، حيث تستطيع ممارسة إطعامها وتمشيتها وتنظيفها وذلك من خلال الكلب الرقمي الذي يعيش داخل جوالك، وإذا ما أهملتها تعبس وتذبل ثم تموت.
وبين كل تلك الخصائص تقوم واحدة من أكبر شركات الشبكات اللاسلكية التي تعتمد عليها كوريا بتوفير الأموال السائلة والرصيد عبر الهاتف الجوال، ويقول جو هي سانج مدير مدفوعات الأموال المحمولة في شركة SK: (نريد أن نجعل كوريا الجنوبية مجتمعًا بلا محافظ جيب ولا أموال سائلة).
ففي كل شهر من العام الماضي كان يقوم 4 ملايين كوري جنوبي بشراء الموسيقى والأفلام والنغمات وبالاشتراك في الألعاب على الإنترنت وفي الصحف والمواد الإليكترونية الأخرى، وكان يتم دفع تلك الفواتير عن طريق جوالاتهم، بدون الذهاب إلى أي بنك أو باستخدام أي بطاقات ائتمان. وكان حجم تلك التجارة 1.7 تريليون وون أو ما يعادل 1.4 مليار دولار، وظل الكوريون الجنوبيون يقومون بذلك منذ عام 2000.
ومن أواخر العام الماضي أصبح الكوريون يستخدمون الأموال التقنية، وهي عبارة عن أرصدة إليكترونية يتم تخزينها وإعادة ملء بطاقات الجوال الخاصة بهم ورقائق الجوال الأخرى، مثلما تفعل الآنسة كيم عندما تركب مترو الأنفاق والحافلات أو تشتري الوجبات من مطعم 7-Eleven بجوار منزلها أو عن طريق آلات البيع الإليكترونية وفي الكافيتريا في مدرستها. فبدلاً من إعطاء أبنائهم أموالاً سائلة، فإن الآباء الآن يستطيعون تحويل أموالهم إلى حسابات أبنائهم عن طريق النقد الإلكتروني.
إرسال الهدايا
وقد مكنت تلك الأموال الإلكترونية الناس من إرسال الهدايا عن طريق الجوال، فتستطيع من خلال جوالك أن تدخل إلى مول تجاري على الإنترنت وتشتري أيقونة ترمز إلى فنجان قهوة من ستاربكس وترسلها إلى جوال صديقتك، وتستطيع حينئذ أن تذهب إلى ستاربكس وأن تظهر لهم الأيقونة وأن تحصل على المشروب، وفي كل يوم يتم تسليم 70 ألف هدية محمولة عبر شبكات شركة SK، بما في ذلك الحلوى والبيتزا والملابس وأدوات التجميل.
ومنذ عام 2000 يستخدم الكوريون الجنوبيون أيضا هواتفهم الجوالة لإجراء المعاملات البنكية عبر الإنترنت، فعن طريق دفع 1000 وون شهريًا يستطيع مستخدمو الهاتف الجوال أن يفحصوا حساباتهم البنكية أو يرسلوا أموالاً، وذلك بدون استخدام ماكينات الصرف الآلي أو الحاسبات الشخصية، وذلك أثناء ركوبهم التاكسي على سبيل المثال.
كما وصلت الحسابات البنكية المحمولة أيضا إلى بريطانيا والولايات المتحدة، ففي العام الماضي بدأ سيتي بنك في عرض برامج بنكية محمولة للعملاء الذين يستخدمون أجهزة iPhone، وهذا البرنامج تم تطويره بمشاركة شركة SK، كما ظهرت الهواتف الجوالة أيضا كأداة شعبية للمعاملات البنكية في بعض من الدول الأفقر في العالم، من الهند إلى زامبيا، حيث لا يتمتع العديد من الأشخاص في تلك البلدان بحسابات بنكية أو بشبكات إنترنت في قراهم، ولكنهم لديهم هواتف جوالة.
وفي كوريا الجنوبية بلغت الجهود لاستبدال بطاقات الائتمان والأموال السائلة مرحلة متقدمة في عام 2004، عندما بدأت البنوك في إصدار رقائق تعمل عن طريق دوائر إليكترونية متكاملة يتم وضعها في الهاتف الجوال وتمكن مستخدميه بأن يستخدموها كبطاقات الائتمان في ماكينات الصرف الآلي.
فبدلاً من وضع البطاقات البلاستيكية داخل ماكينات الصرف الآلي، فإن الزبائن يضعون هواتفهم على قارئ يشبه بالصينية، وفي هذا العام بدأت شركات الإنترنت اللاسلكي بإدماج نفس الرقائق داخل رقائق الذاكرة التي تأتي مع الهواتف المحمولة التي تعمل بالجيل الثالث، والتي يمكن أن تحتوي على مائة بطاقة ائتمان، وهذا يعني أننا لسنا بحاجة إلى محافظ جيب ضخمة بعد اليوم.