تعد صناعة الإعلام أكثر كلفة من أي صناعة أخرى، فهي لا تعتمد على تقنيات وأيد عاملة فحسب، بل تتجاوز ذلك بكثير فيدخل فيها الفكر الإنساني الإبداعي، وهذا في حد ذاته مكلف جدا، خاصة لمن أراد أن يقدم عملا مميزا، جاذبا للمشاهد.
ولعل المتابع للإنتاج العالمي يلحظ هذه المهنية العالية التي تجبر المشاهد على المتابعة.
وهذا لم يأتِ من فراغ بل من جهود كبيرة بذلت وأموال طائلة أنفقت ليصل للمتلقي بهذه الجودة، خاصة في الأفلام الوثائقية التي يعرفها جون جريرسون بأنها (john grieison)
(المعالجة الخلاقة للحدث الواقعي) كما كان في
فيلمه الأول والأكثر ذيوعا (صائدو الأسماك) والذي عرض لأول مرة عام 1929م وكان يتحدث عن الحياة اليومية لصائدي الأسماك، ونال اهتمام النقاد والمشاهدين.
والإعلام الحق هو ما كان يسجل وقائع المجتمع سواء الحاضرة أو السالفة بلغة إعلامية متقنة وتوظيف فني راق يجعل من المادة المكتوبة مادة ثرية جديرة بالمتابعة، وليس هو فقط ما يعرض كأحداث يومية آنية، أو ما يعرف بالدراما وما شابهها.
إن تاريخنا الإسلامي زاخر بالأحداث الجديرة بأن تكون مادة فيليمة مشوقة جاذبة للمشاهد ليس العربي أو المسلم فحسب بل للمشاهد أيا كانت لغته ودينه، ولكن للأسف إن جهود الكثير من مؤسسات الإنتاج الإعلامي ركزت جل جهودها في الاستفادة من هذا التاريخ في الأعمال الدرامية فقط وليتها لم تفعل خاصة في بعض الأعمال التي شوهت تاريخنا العربي والإسلامي عن قصد أو عن غير قصد.
إن أمام مؤسسات الإنتاج الوثائقي تحديدا فرصا كبيرة جدا في تقديم آلاف الأفلام الوثائقية التي تبرز الوجه المشرق لحضارتنا العربية والإسلامية وبجاذبية لا يمكن أن تتحقق في أي عمل وثائقي آخر، وتمنح مساحة هائلة للإبداع الفني لما تحمله وقائع ومضامين في غاية الأهمية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل إعلامنا العربي الرسمي منه والتجاري يعي ذلك؟
هل إعلامنا يقدر جسامة المهمة وكلفة العمل؟
هل إعلامنا يؤمن بأهمية أن يعرض تاريخنا وحضارتنا أمام العالم عبر وسائل جاذبة ومشوقة؟ أم إنه ما زال يؤمن بأن يكون تاريخنا وحضارتنا بين دفتي كتاب ليس إلا..؟
هل إعلامنا قادر على أن يتبنى مثل هذا المشاريع التي تصل كلفتها عشرات الملايين بل في بعضها مئات الملايين؟
إن صناعة الإعلام كما أسلفت صناعة مكلفة جدا، ولذا فإن تبني بعض المشاريع الإعلامية الهادفة مسؤولية أخلاقية قبل كل شيء، وليس من المعقول ولا من المنطق أن يتولى الغير عرض تاريخنا ونحن صامتون وكأننا عاجزون.
إن مسؤولية حفظ هذا التاريخ المضيء بل وعرضه على العالم مسؤوليتنا جميعا ويجب علينا وجوبا وخاصة على من مكن الله لهم في الأرض سواء كان هذا التمكين من خلال مواقعهم الرسمية أو من خلال ما أنعم الله به عليهم من ثروات أن يضطلعوا بهذا الدور المهم والخطير في نفس الوقت فعرض التاريخ هو جزء من تبليغ الرسالة.
إنني أتطلع ومعي بلا شك كل من يملك ولو ذرة من وعي إلى اليوم الذي نجد فيه تاريخنا وتراثنا وقبل كل ذلك ديننا يعرض عبر شاشات الفضائيات وفي دور السينما بلغة إعلامية ورؤية فنية مؤثرة، فالزمن زمن بصري.