الرئيس الأمريكي أوباما يريد أن يلبس الولايات المتحدة الأمريكية ثوباً جديداً، إن كان الأمر كذلك فهو مسار حسن قد يكون أصلح للولايات المتحدة ولغيرها من العالم، وإن كان يريد غسل الثوب القديم، وإزالة ما لحق به من عوالق هنا وهناك، فهو سعي يحمد عليه أيضاً، لكن العالم في حاجة إلى الثوب الأمريكي الجديد، وليس غسل ثوب بال، أكل عليه الدهر وشرب.
العالم تغير ويتغير، فقد انهار الاتحاد السوفيتي منذ سنوات، وسطعت شمس الصين كقوة اقتصادية وربما عسكرية في القريب العاجل، وأوروبا توحدت، وأمريكا الجنوبية تحاول فعل شيء، وإفريقيا تأمل ولا تفعل فظلت تراوح مكانها، والعالم العربي يترنج تحت وطأة مشاكله، ويعيش من منطلقات ثقافية دون تمييز بين حسنها ورديئها، وتمحيص لحلوها ومرها، فظل أسير ما اعتاد عليه في شؤونه الإدارية، وحاول التغير في بعض المناحي الاجتماعية، وهو تغيير ربما يكون في أغلبه مفيدا، وفي بعض منه مضرا.
أمريكا ليس لديها إلا خيار المراجعة الداخلية والخارجية، مراجعة تتسم بالواقعية وليس التمسك بمنجزات الماضي، والأمل في استمراره، فهي وإن كانت القوة الأولى في العالم اقتصاديا وعسكرياً إلا أن المنحى البياني يؤشر إلى التراجع، فمساهمتها في اجمالي الإنتاج العالمي يتقهقر في حقب متتابعة، ولم تشهد قط ما يدعو إلى تغيير المسار، والصعود لبعض الدول يتعاظم ولم يشهد قط ميلاً إلى الانكفاء وإن شاب التسارع شيء من التباطؤ لأسباب مختلفة.
في ظل أزمة مالية مصدرها الولايات المتحدة وأسباب بزوغها الولايات المتحدة، وأكثر المتضررين منها الولايات المتحدة لابد لها أن تقف بعين المتبصر ترى واقع الحال، فمهما كان الأمر مزعجا إلا أن قبول الواقع مع مرارته خيار أوحد، وستصدر الولايات المتحدة الأمريكية ترليونات الدولارات وستقترض الترليونات وسينخفض سعر الدولار لا محالة، وقد تفقد العملة الأمريكية بريقها، كما فقدها الجنيه لحساب الدولار في فترة من القرن الماضي، ولا نعلم ما هي العملة البديلة، فمن الممكن أن تكون سلة من العملات يكون لليورو والايوان والين دور بارز فيها.
الولايات المتحدة الأمريكية ستظل قوة عسكرية كما هو الحال في روسيا، فالقوة العسكرية تمتد لسنوات بعد انكماش القوة الاقتصادية، لكن العالم في حاجة إلى أمريكا القوية المنصفة القادرة على المساهمة في الأمن والسلم العالمي من منطلق العدل الأممي وليس المصالح القطرية فقط.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتحسس مواضع القوة في العالم فاتجهت لمباحثات استراتيجية مع الصين مما يعني الكثير لتقاسم مناطق النفوذ الاقتصادية وربما السياسية في العالم، ولمعرفتي بالصين وقد أمضيت بها ثلاث سنوات ونصف فقادتها ليسوا في عجلة من أمرهم، وتريد أن تقطع الأميال في مئات السنين، وبهذه السياسة استعادت هونج كونج، وبها يتحدثون عن تايوان.
هذا البلد العملاق رأت فيه الولايات المتحدة شمسا ساطعة من المشرق وعليها أن تنعم بدفئها قبل أن تحترق بشدة لهيبها.
العالم العربي في خضم هذه التحولات بإمكانه أن يكون قوة ناشئة مثل غيره، إذا رغب في ذلك، وإذا ما رغب أن يبقى ساحة تتنازع عليها الاستراتيجيات الجديدة فهذا خياره، والفرق بين الاثنين بين.
يحتاج العالم من أمريكا ثوباً جديداً تلبسه ولا تتقمصه، وتتحدث إلى العالم بلغة العدل والمساواة والتصالح والتسامح، لعلها بهذا تحفظ بريقها قبل أن يعتريه شيء من البهت، أو تنطفئ الشمعة فيذهب البريق. والشرق الأوسط إحدى المحطات التي يمكن للولايات المتحدة أن تظهر من خلالها دورها وقدرتها وتأثيرها العالميين، وذلك بالانحياز إلى العدل والإنصاف والتأثير الإيجابي الذي يضمن عودة الحقوق إلى أصحابها، والتحرر من الاحتلال الذي طال أمده.
العالم في حاجة إلى سماع كلمة حق وإنصاف وعدل وتطبيق القوانين الدولية، والولايات المتحدة قادرة على إسماع ذلك والمساهمة في تنفيذه في جميع مناطق النزاعات. والعالم الإسلامي خاصة ينتظر من الرئيس الأمريكي أوباما لغة جديدة تختلف عن سابقتها، وتفهماً جديدا لأوضاعه، واحتراما لثقافته.
والعالم الإسلامي مطالب بترك الاقتتال، والإصغاء إلى صوت العقل والترفع عن المصالح الذاتية المحدودة، والنظر إلى المصالح العليا والآفاق المستقبلية، لكن هذا يتطلب قوة نفسية هائلة من الأفراد والقادة، فهل يا ترى يستطيع الإنسان أيا كانت مكانته التغلب على نوازعه؟ لست أدري!!!