ليس من السهل على العقل الفلسطيني خاصة والعربي عامة أن يعتقد ولو للحظة أن الولايات المتحدة قد تقوم بإعادة صياغة سياستها وإستراتيجيتها على قاعدة تحجيم دور إسرائيل وردع تطرفها الذي غالت فيه كثيراً وبعد توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979م على عكس ما كان مؤملاً منها!!.
حيث شنت أكثر حروبها ضراوة فاجتاحت لبنان عام 1982م لإنهاء تواجد م. ت. ف وقبلها شنت غارتها الشهيرة على مفاعل تموز العراقي في عام 1981م ثم غارتها على قيادة م. ت. ف في مقرها الجديد في حمام الشط بتونس عام 1985م وواصلت تحديها للشعور الوطني الفلسطيني والقومي العربي الذي عبرت عنه الانتفاضة الفلسطينية الكبرى في سنوات 87 - 93 من القرن الماضي باتباعها سياسة تكسير العظام والاغتيالات والاعتقالات وتغول سياسة الاستيطان وهذه السياسة التي تأججت أكثر مع انقلابها على اتفاق أوسلو واغتيال يمينها لإسحاق رابين لتفتح عهداً جديداً في مواجهة الوطنية الفلسطينية الأكثر دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والذي ظهر بشكل جلي خلال انتفاضة الأقصى عقب انهيار مفاوضات كامب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية وتوَّجته بما عرف بعملية السور الواقي عام 2002م والبدء ببناء جدار الفصل العنصري وتدمير مقر الرئيس ياسر عرفات برام الله ومحاصرته فيه حتى اغتالته سماً ومروراً بعودتها لارتكاب المجازر المختلفة وشنها حرب تموز 2006م التدميرية والهمجية على لبنان، ثم شنها للحرب المجزرة والمحرقة على قطاع غزة نهاية 2008م وبداية 2009م كل هذا الغلو والتطرف الهستيري الذي أصاب هذا الكيان الإسرائيلي لا يفسره سوى طبيعته القائمة والمؤسسة على العنصرية والعدوان والتوسع، ظاناً أن مزيداً من التسلح والتطرف والعدوان قد يجلب له الأمن والسلام مع شعوب المنطقة بعد كسر إرادتها، وقد أدرك هذه الحقيقة السفير الصهيوني الأمريكي الأسترالي الأصل مارتن إنديك والذي سبق أن عمل سفيراً لأمريكا في إسرائيل والمعروف بانحيازه لها دائماً فقد تحدث بالحقيقة الصادمة للكيان الصهيوني بأن هناك فرصة تاريخية لصناعة السلام في المنطقة وتحقيق الأمن والسلام لإسرائيل، مؤكداً أن الولايات المتحدة الملتزمة دائماً بأمن إسرائيل والتي دأبت على تسليح إسرائيل حتى أصبح جيشها أقوى جيوش المنطقة بل قادر على التغلب على جميع جيوش المنطقة مجتمعة وذلك حسب رأيه من أجل أن يخلق لدى الإسرائيليين الثقة بالنفس ولكن النتيجة كانت عكسية دائماً مزيداً من التوتر والقلق والعنف والحروب وافتقاد الأمن والسلام معاً، لما حدا بالسفير انديك أن يصف الإسرائيليين وقادتهم السياسيين بالمرضى النفسيين حسب تعبيره، وهذا يذكرني أيضاً بحديث للقائد الفلسطيني فيصل الحسيني عندما زرته بمقره في بيت الشرق بالقدس الشريف صيف عام 1994م، حيث قال: (يأتيني الكثيرون من الإسرائيليين سواء من دعاة السلام أو من اليسار الصهيوني أو اليمين على السواء ويستمعوا لروايتنا الفلسطينية ولوجهة نظرنا الفلسطينية في التسوية سواء المرحلية أو النهائية ولينتهي الحديث عن التساؤل وما الذي سيضمن لنا الأمن؟! وأن الفلسطينيين ومعهم العرب لن يواصلوا تهديدنا؟! ثم يعقبون على هذا التساؤل على أية حال لا نمل من تساؤلاتنا يا فيصل فنحن (الإسرائيليين) مرضى وأنتم (الفلسطينيين) قدركم أن تكونوا الطبيب الذي عليه واجب علاجنا من أمراضنا ووساوسنا، نعم يا مستر انديك الإسرائيليون مرضى نفسيون وهم بحاجة لعلاج ويبدو أنه بعد مرور أكثر من ستة عقود على الصراع لم يستطع الطبيب الفلسطيني لوحده أن يشفي مريضه (الإسرائيلي) من وساوسه وهلوساته، فلابد لاتحاد أطباء العالم أجمع وبقيادة الطبيب الأمريكي (الرئيس أوباما) من التعاون لعلاج الإسرائيليين من أمراضهم التي تدفعهم لمواصلة التوسع والاستيطان والعنف والعدوان وممارسة كافة أشكال التمييز والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني منذ قيام كيانهم الذي لم يجلب لهم السلام أو الأمن بل وكان أساس وسبب مرضهم النفسي، الذي سعت بلاد الغرب عامة وبلادكم (الولايات المتحدة) خاصة على علاجهم منه بواسطة المزيد من صفقات السلام وعقد الاتفاقات الإستراتيجية والأمنية والانحياز الأعمى في سياساتكم وتجاهلكم لحقوق الشعب الفلسطيني ولم يزدهم هذا إلا توتراً وقلقاً وعنفاً وافتقاداً للأمن وبعداً عن السلام، فقد اكتشفت يا سيد إنديك مرض الإسرائيليين فهل يكتشف الطبيب الأمريكي العلاج سريعاً للإسرائيليين؟!! الجواب الشافي بالتأكيد يكمن بنتائج تحليل الصراع في مختبرات العلاقات الدولية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية التي تتميز بها الولايات المتحدة عن غيرها من دول العالم، وأعتقد أن الطبيب الفلسطيني والعربي قد تقدما بوصفتهما منذ أكثر من عقدين في مشروع السلام الفلسطيني أولاً والعربي ثانياً اللذين أعيد تأكيدهما في مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (للسلام) والتي كما تعلمون اعتمدت كمبادرة سلام عربية شاملة فهل جرى إدراك قدرة هذا العلاج العربي للمريض الإسرائيلي؟!! خصوصاً إذا ما أضيفت إليه الخبرة والقدرة الأمريكية في الطب والدواء؟! سيكون علاجاً نافعاً للحالة الإسرائيلية بإذن أمريكا يخلصها من وساوسها وهلوساتها وعقدها المزمنة وأمراضها النفسية ويجلب لها الأمن والسلام معاً، لذا فإن أرادت أمريكا (أوباما) علاج إسرائيل فهي قادرة بالتعاون مع العرب على تخليصها من مرضها النفسي الذي اعترف به الكثيرون من مثقفيها ودعاة سلامها ويسارييها ويمينيها للقائد الشهيد فيصل الحسيني قبل أن تشخصه يا سعادة السفير انديك، والعلاج يتمثل في إلزام إسرائيل على تخليها عن الاستيطان كلية وهدم الجدار وإنهاء احتلالها كاملاً للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في عدوان 1967م وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه أولاً في العودة إلى وطنه وثانياً تمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأن تتوقف عن مواصلة سياسة الغطرسة والتهديد بالعدوان على الفلسطينيين وغيرهم من شعوب المنطقة، وهذا تقدر عليه الولايات المتحدة إذا أرادت وعندها فقط تشفى إسرائيل من مرضها النفسي وستحظى بالأمن والسلام معاً، وإلا ستبقى تعاني من مرضها النفسي القاتل إلى الأبد، فهل تعتبر رحلة الرئيس أوباما إلى الرياض والقاهرة هي بداية رحلة العلاج الأمريكية للمريض الإسرائيلي؟!! الذي عانى الشعب الفلسطيني والأمة العربية من جنونه ومن عقده المختلفة الكثير الذي لا يخفى على أحد، وهذا ما ستجيب عليه أفعال السياسة الأمريكية القادمة وليست تصريحاتها وأقوالها الإعلانية، وإن غداً لناظره قريب.
pcommety@hotmail.com