المزاح سلوك اجتماعي يتخذه البعض للتسلية والترويح عن النفس، فما هو مرغوب فيه كمزاحه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه تأليفاً لهم واستمالة لقلوبهم ومداعبة لهم بما يُذهب وحشة بعضهم منه وتهدئة روعهم فيحفظون عنه ما يقول ويفهمون عنه ما يريد، فإنه صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً ولكل مقام مقال، وما أحسن الجد في الموعظة وما أجمل المزاح الذي تقع به الألفة والأنس والمحبة، ولكن هناك المزاح المذموم الذي عواقبه وخيمة.. وسداً للذريعة ودرءاً للفتنة والفساد فقد نهى الإسلام عنه لأنه يحدث ضرراً ويسبب عداوة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار).. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (المزاح استدراج من الشيطان واختلاس من الهوى) وقوله: (لا تماري أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدة فتخلفه).. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عماله: (امنعوا الناس عن المزاح فإنه يذهب بالمروءة ويوغر الصدور).. ويؤثر عنه: قوله: (من كثر ضحكه قلَّت هيبته ومن مزح استخف به ومن أكثر من شيء عُرف به ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قلَّ حياؤه ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه ومن قلَّ ورعه مات قلبه).. وقال عمر بن عبدالعزيز يرحمه الله: (اتقوا الله وإياكم والمزاح فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح تحدثوا بالقرآن فإن ثقل عليكم فحديث حسن من الرجال) وقال حكيم لولده: (لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنيء فيجتري عليك).. وقال بعض الحكماء: (لكل شيء بذر وبذر العداوة المزاح) ويقول الشاعر:
وإياك إياك المزاح فإنه
يجري عليك الطفل والرجل النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه
ويورث بعد العز صاحبه ذُلا
والإفراط في المزاح واللهو واللعب إخلال بالمروءة وغفلة عن ذكر الله.. وقد عاتب الله المؤمنين حين أغرقوا في ذلك وقست قلوبهم فقال الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).. فالمزاح في كثير من الأحيان عاقبته وخيمة ونتائجه خطيرة.. يُفضي إلى ترويع المسلم وإخافته وربما أدَّى إلى قتله وسفك دمه أو مقاطعته وعداوته وكم نعرف من هذه الحوادث الشيء الكثير.. والمحاكم ومراكز الشرطة مليئة بهذه الحوادث المؤلمة والمؤسفة، وما أكثر ضحايا المزاح المذموم وما أكثر أشكاله وأنواعه.. فبعض الناس يُطلق الرصاص فوق رأس أخيه ليمزح معه وبعضهم يمر بالسيارة بسرعة بجانب أخيه ليمزح معه وبعضهم يزعج أخاه بالصياح وراء ظهره أو قرب أذنيه فيسبق السيف العذل، فيندم ولات ساعة مندم، ويذهب يختلق الأعذار ويبدي الحزن والأسف بينما كان له مندوحة من هذا التصرف اللا مسئول.
لذا أُناشد من هذا المنبر الترفع عن أعمال السفهاء والصبية.. ولنفكر في عواقب الأمور وجرائرها.. نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه.. والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.. إنه سميع مجيب.
* المستشار الشرعي والباحث الإعلامي عضو الجمعية الفقهية السعودية