عاد الأب إلى منزله متعباً بعد عناء العمل، دخل المنزل بلا صوت وكأنه لص محترف
(تعليق) إنّ من أجمل اللحظات تلك اللحظات التي يتحول فيها دخول الأب إلى حدث يستحق الاهتمام فيستقبله الجميع يضم هذا ويقبِّل ذاك ويحمل تلك، والكل يرحب ويبتسم ويحكي مواقفه اليومية وإنجازاته المدرسية ومشاكله الشخصية.
وأخذ يتجول في أنحاء الغرف فوجد ابنه أحمد وقد استغرق في لعبة كرة القدم عبر جهاز الكمبيوتر (بلاي استيشن) والذي أمضى قرابة الساعتين أمامها.
(تعليق) إنّ إدمان الأطفال للألعاب الإلكترونية يجعلهم عرضة لأمراض البدانة، ويعزلهم عن المجتمع ويضعف التواصل الاجتماعي لديهم، ويعيق نموهم اللغوي لعدم اكتسابهم للمفردات اللغوية بسبب تواصلهم الصامت مع اللعبة وتفاعلهم العقيم مع الجهاز.
فقال له الأب متى ستكبر وتترك مثل هذه الأمور...؟
(تعليق) باسم التربية وتحت شعار الحزم يتوه الطفل، فإن أراد فعل ما نفعل ذكّرناه بعجزه وصغر سنه، وإن لعب بعفويته ومارس طفولته خاطبنا فيه رجولته، فيقف عاجزاً عن التعبير عن رغباته والتعرف على ذاته التي فقدها بين سندان المرحلة ومطرقة التربية.
ثم دخل إلى غرفة الأبناء فوجد خالد الابن الصغير ذا السنتين وقد عبث بالمكان فكسّر هذا وبعثر ذاك وسكب العصير على الموكيت الجديد.....! مصيبة.
(تعليق) الطفل دون الخامسة يتعلّم من خلال اكتشافه للعالم من حوله يسطو على هذا ويلمس هذا ويتذوق هذا، وحبه لاكتشاف المجهول يجعله لا يستمع لوعدنا ووعيدنا مما يثير حفيظتنا، فنكبل رغبته بالتهديد ونسمه بأنه طفل عنيد، وهذا ما يجعل التعلم لديه قاصراً والثقة بنفسه متدنية.
وعندما علمت أن لكل عمر حياته وطبيعته وخصائصه، راجعت بعض المواقف التي عاقبت فيها طفلي فوجدته على حق في معظمها، ولكن جهلي بطبيعة مرحلته وخصائص عمره جعلتني أصدر الأحكام على سلوكه لا دوافعه وعلى أفعاله لا احتياجاته حتى تعبت وأتبعت وصدق الله
(وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا) فإذا سكب طفلك الإناء أو تسلّق المنضدة فلن تصبر عليه ما لم تحط بدوافعه خبراً
فصرخ الأب في وجهه يااااغبي
(تعليق) إن ألفاظنا وتصرفاتنا مع أبنائنا تستقر في عقولهم اللاواعية لتشكل جزءاً من شخصياتهم تماماً كما يقول أحدهم لابنه أنت لا تفهم شيئاً ثم يتعامل معه كفرد لا يفهم شيئاً ثم يصبح فرداً لا يفهم شيئاً
وبدأ بتوبيخه ثم ضربه ضربة قوية على فخذه وأعقبها بشدةٍ خاطفة لأذنه تأديباً له وردعاً لأمثاله والابن يصرخ ويحلف أنه لم يفعل شيئاً، ثم يخرج الأب غير آبه بمشاعر ودموع ولده.
(تعليق) إنّ الضرب أو الصراخ أو التأنيب العنيف بهدف معالجة سلوكيات الأبناء الخاطئة لا يصحح المفاهيم ولا يغير القناعات ولا يعمق الحلول، بل يجعلهم أكثر حذراً عند ممارسة الأخطاء وأكثر إتقاناً لفنون التمثيل والتظاهر، مما يجعل السلوك السلبي لا يختفي ...... بل يختبئ.
إن أسلوب التأنيب المباشر لأبنائنا والعتاب الجارح لهم يولد شخصيات إسقاطية تتقن فن التبرير، وتجنح إلى الكذب للتخلص من المآزق
ياسر الحزيمي