Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/06/2009 G Issue 13403
الثلاثاء 16 جمادىالآخرة 1430   العدد  13403
عباس بن فرناس... الحلم والنتيجة
د.خالد بن محمد الخضر *

 

(يرتبط النجاح بالفشل ارتباطاً وثيقاً تماماً كما يرتبط القمر بالمد والجزر والجبال بالوديان والرياح بالأشجار وكما أن هناك اتزاناً في العالم الطبيعي بين قوى الطبيعة، كذلك هناك اتزان في العالم الإنساني بين التجارب الناضجة والأخرى الفاشلة) هذه العبارة من كتاب (إذا كان النجاح لعبة فهذه هي قوانينها - لمؤلفه د. شيري كارتر) نحن هنا لا نختلف على أن الفشل وبحسب التركيبة النفسية البشرية هو من الأمور التي تأنفها النفوس ولا تستأنس بها، لكننا في هذا المقام نريد أن نؤكد على حقيقة ثابتة عبر التاريخ وعلى مر العصور سواء على المستوى الاجتماعي أو النفسي أو الاقتصادي، وهي أن معظم نجاحات بني البشر انطلقت من عتبة الفشل، من لا يفشل لا ينجح يقول وينستون تشرشل، إياك ثم إياك ثم إياك والفرار، الفشل أحد أهم الأسباب الداعمة لتماسك النفس البشرية وإعطائها نوعاً من الجلد والصلابة لمواجهة تحديات الحياة، عندما تقول لأحدهم متسائلاً: ما هي محطات الفشل في حياتك؟! فإنه يمتعض وينتفض كالطير - بأن كل حياته نجاحات - وتستشري تلك الثقافة على وجه الخصوص في عالم الأعمال داخل الخارطة الجغرافية في العالم العربي، كلنا قراء لمفكرين ورجال أعمال وأصحاب إمبراطوريات اقتصادية في العالم الأول كالدول الأوروبية، وأمريكا حول تنافسهم في ذلك وتدوينهم لمراحل الفشل قبل مراحل النجاح في حياتهم، بل إن أكثرهم أشار وفي أكثر من مقام إعلامي سواء كان مكتوباً أو مقروءاً أو مسموعاً عن تجارب فشله، وكيف استفاد منها، وما هي الأساليب والعبر والمواعظ التي يجب أن يأخذ بها الآخرون لإنارة طريق حياتهم ومستقبل أعمالهم، بل إن أحدهم دوّن كتاباً من حوالي خمسمائة صفحة جعل جلّ كتابه عن محطات فشلة وكيف تعامل معها واستفاد منها وأصبحت المنطلق لكل نجاحاته، ثم عرج فيما تبقى من الكتاب لمحطات نجاحه، مؤكداً أن تلك النجاحات لم تتحقق إلا من خلال محطات الفشل ومراحل الإخفاقات التي أعطته الصلابة والانطلاق والرؤية السليمة واختصار كثير من المراحل التي كان سيسلكها لو لم يمر بمراحل الفشل في حياته تلك، يقول توماس أديسون: أنا لست ممن تُثّبط همته لان كل خطوة خطأ أخطوها أعالجها بأخرى تدفعني للأمام، كلنا نعلم أن الإنسان يصاب ببعض الأمراض لمرة واحدة فتصبح لديه مناعة طيلة حياته من هذا المرض، إنها الحصانة والمناعة التي يجب أن يستفيد منها الإنسان في طريق حياته من بعض محطات الفشل، كم من شخص حوّل مراحل فشله إلى نجاحات فهذا ستيفن كوفي، كنتاكي، ابراهام لنكولن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق، صلاح الدين الأيوبي، كثير من التّجار لدينا الذين تخرجوا من ساحة ومدرسة الفشل التي تعرضوا إليها مرات ومرات ولكنها لم تزدهم إلا إصراراً وانطلاقاً وتقدماً نحو تحقيق الهدف الذي رسموه وآمنوا به، يقول رئيس مجلس إدارة جنرال موتورز السابق في مذكراته أنه تقدم لي أحد القياديين طالباً وظيفة، فلم أجد في تلك السيرة أي مرحلة من مراحل الفشل فرددت الشخص على عقبيه ورفضت طلبه، وبعد أيام اتصل بي للاستفسار عن الرفض وأبلغته أن المديرين والقياديين في شركتنا وعلى كافة مستوياتهم قد تعرضوا في حياتهم لمراحل فشل لا تقل بأي حال من الأحوال عند اقلهم نصيباً عن خمس محطات فشل وكلما زادت تلك التجارب السابقة زاد رضانا عليه، ويقول لي أحد التجار الفاعلين في السوق السعودية: انه مر بست مراحل فشل وفي كل مرة يستفيد من الطريقة الخاطئة التي انتهجها فيسلك بذلك طريقاً آخر حتى وصل إلى النجاح والاستقرار والتألق، عباس بن فرناس أقدم على العشرات من المحاولات الفاشلة في عالم الطيران حتى قال أحدهم: إنه وصل إلى تسع وتسعين تجربة فاشلة، ولكنه غيّر وجه التاريخ ولاشك جراء تلك المحاولات، بل نقل العالم إلى عصر التكنولوجيا وعصر الفضاء وعصر الطيران، بل إنه أضاف خدمة جليلة سيظل يذكره بنو البشر ما قامت الحياة، قال لي أحد التجار: إنه يقرض أبناءه الذين دخلوا معترك الحياة مبلغاً من المال، فإذا فشل أحدهم مرة ومرتين أطمأن عليه، وإذا نجح نجاحاً مبدئياً فإنه يظل يراقبه بحذر وقلق، إنها تجارب الحياة، يقول الفريد لورد تنيسون بتعبير يؤكد هذا الكلام وهو تعبير شائق ورائع يعالج كيفية الاستفادة من الإحباط والفشل: انه كي يخرج الطائر من بيضة لا بد وأن يكسر جدارها أولاً، وأخيراً استعرض هنا جملة جميلة قرأتها في أحد الكتب الأجنبية والتي تدور حول هذا الموضوع تقول تلك الجملة: قد يقابلك في طريقك إحباطات وحالات فشل واضحة، ومن تلك التجارب تتعلم دروساً تمنحك البصيرة التي ستقودك إلى النجاح في المستقبل بإذن الله.

* كاتب سعودي


Kmkfax2197005@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد