الحديث عن العولمة قد يبدو موضوعاً مستهلكاً من الناحية التحليلية، فقد تطرق الكثير من الكتّاب لها ولطالما تحدثوا عن طبيعتها وآلياتها وآثارها، ولكن قلما تحدث البعض منهم عن آثارها الإيجابية تحديداً.
وبما أننا بدأنا للتو نعيش جانباً من هذه الإيجابيات ونراها بأعين واقعية لا بنظرة مستقبليه إذ إننا بتنا نعايشها في حياتنا اليومية، فإني عبر هذا المقال أسلك جانب الحديث عن إيجابيات هذا.. العدو الذي أسميه بهذه التسمية لإرضاء طرفنا الآخر الذي يجد صعوبة في تقبل أي نوع من الطرح الغربي.
في البداية علينا أن نسلم أن العولمة أمر حتمي لتطور النسق الدولي، ولكن لو افترضنا جدلاً أن العولمة شر مستيطر فإنها لن تأتي على العالم العربي بأسوأ مما هو عليه، وعلى هذا فيجب أن نعي أنه لا يمكن أن يكون لها هذا الزخم والانتشار لو لم تكن لها إيجابيات شتى تشمل جميع أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، ولسنا استثناء من هذه الإيجابيات خاصةً وأننا في الوطن العربي نمتلك كماً هائلاً من الثروات التي لا يمكن لصلب العولمة (الاقتصاد) أن يقوم بدونها، ومن أبرز هذه الإيجابيات على الصعيد الاقتصادي ما أحدثته ثورة التكنولوجيا والاتصالات وتقنية النقل ومساهمتها الملحوظة في انخفاض أسعار السلع في الأسواق (بعيداً عن آثار الأزمة العالمية) مما أتاح للمواطن أن يحصل على منتجات مهمة كان الحصول عليها في السابق بأثمان عالية.. أضف إلى ذلك أن الفرد أصبح أكثر معرفة بحجم الصادرات والواردات وحجم الإنتاج على مستوى الدولة، وبذلك أصبح نفق الاقتصاد المعتم أكثر وضوحاً مما يجبر الدول على الإصلاح الاقتصادي والعمل بتوسيع أنظمة الخصخصة، إضافة إلى أن عدداً من كبريات شركات العولمة بدأت في إقامة مشاريع استثمارية في أرجاء عدة من وطننا العربي الكبير.
أما على المستوى التعليمي فالحاسب الآلي الذي هو من نتاج العولمة أصبح من ضروريات التعليم فحتى مدارس القرى النائية لا تستغني عن الحاسوب في عملية التعليم، وهذا ما سيغطي عيوب التعليم التي باتت واضحة عندنا بل أنه سيحدث قفزة قوية لمنظومة التعليم.
وفيما يتعلق بالجوانب السياسية فإن كثرة قنوات الاتصال والبث الفضائي والإنترنت والرقمي مكنت الفرد من فهم علاقته بالدولة فلم تعد علاقته مجرد تلقي أوامر بل هي مجموعة من الحقوق والواجبات التي تكفلها الأنظمة فأصبح الفرد أكثر وعياً بأهمية المشاركة في صنع القرار.
قد يقول البعض بأنه لا يمكننا الاستفادة من الإيجابيات دون التأثر بالسلبيات، ولكن هذه القاعدة يمكن الرد عليها بمثال الأزمة المالية التي نمر وتمر بنا حالياً، وهي إحدى نتاج العولمة.. إذ أصبح الاقتصاد اقتصاداً مشتركاً تتأثر به جميع الوحدات في المنظومة الدولية، فالأزمة المالية التي عصفت باقتصاديات الدول الكبرى استطاعت المملكة الخروج من مأزقها بحكمة ودراية -ولله الحمد- وأن تكون أقل المتضررين بل بإمكاننا أن نكون أكثر تفاؤلاً من غيرنا بمستقبل اقتصادي باهر للمملكة. وفي النهاية يصبح من السهل على كل مراقب أن يدرك إلى أي حد أصبح بين المواطن العربي والعولمة روابط قوية تجعل من الصعب عليه التفكير بالتخلي عنها.. فعلينا في هذه الحالة عدم تجريدها من إيجابياتها وتضخيم سلبياتها وقمع للتطلعات نحو المستقبل.
* جامعة الملك سعود - الرياض