باستقراء الزيارات المتتالية لفخامة الرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التي قام بها مؤخراً والتي استهلها بزيارة المملكة العربية السعودية ثم جمهورية مصر العربية فجمهوريتي ألمانيا وفرنسا.. إن لكل ذلك مؤشراته بما يدعو للتفاؤل بأن السياسة الأمريكية الأصيلة التي تؤمن بالحق والعدل وحرية الإنسان ما تزال بخير وفي قوة وهجها بالقدر الذي تتحرر فيه من عقابيل الصهيونية العالمية.. ولذلك ليس بمستغرب أن يكسب أوباما المزيد من الثقة داخل وطنه وكذلك احترام وتقدير قادة وشعوب العالم العربي والإسلامي للغته المهذبة الراقية عندما تحدث عن الاختلافات والتباينات الثقافية والحضارية حيث عرض لها من منطلق من يرغب في تكامل الحضارات لا في صدام الحضارات التي يتمترس خلفها المحافظون الجدد الذين قويت شوكتهم إثر أحداث 11 سبتمبر 2001م المأساوية التي بني عليها الانحراف السياسي بعيداً عن جادة الصواب.
وفي هذا السياق فإن علينا ألا نفرط في التفاؤل بل لا بد من الاعتدال لفهم ما يبرز على السطح ومن ضمن ذلك محاولة الرئيس الجديد كسر القوالب الجامدة التي ورثها بشأن العلاقات الأمريكية مع العرب والمسلمين مثل معادلة (من ليس معنا فهو ضدنا) وغيرها من الشعارات غير السوية، ولذلك فإن من المتوقع أن يكثف الرئيس أوباما جهوده من أجل الحيلولة دون أي توجه سلبي من جانب بعض من لا يزالون يهيمنون على مراكز صنع القرار الذين يعتقدون بوعي أو دون وعي أنهم يعملون في مصلحة بلادهم بينما هم في حقيقة الأمر يخدمون أهدافاً مشبوهة ترمي إلى الإطاحة بكل القيم والأخلاق والأعراف الدولية.
وعوداً على بدء بشأن السياسة الأمريكية في ظل المناخ الصحي الذي يعيشه الرئيس أوباما فكراً ووجداناً ولذلك تأتي كلماته سهلة سلسلة ومفهومه وتدل على الأصالة والتقاليد العريقة الخيرة التي تبني ولا تهدم.. ومما عبّر عنه في هذا الشأن أثناء زيارته للرياض قوله: (أنا دائماً أستمع إلى الملك وإلى حكمته وكرمه، المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لهما تاريخ طويل من الصداقة، والعلاقات التي تربطهما هي علاقة استراتيجية- وأضاف - هذه الجولة التي أبدؤها في منطقة الشرق الأوسط هنا في الرياض.. كان من المهم جداً أن أبدأ الزيارة بالمملكة العربية السعودية وهي مهد الإسلام.. سأستمع إلى نصائح خادم الحرمين الشريفين في العديد من القضايا التي نواجهها معاً.. وأنا واثق أن بالإمكان أن نعمل معاً.. في إحداث تقدم في جميع القضايا التي نواجهها).. كما سبق أن أعرب الرئيس الأمريكي أوباما في حديث له بثته وكالة البي بي سي مساء الثلاثاء الموافق الأول من يونيو 2009م (عن ثقته بأن الولايات المتحدة قادرة على العمل لإعادة مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية إلى مسارها لأن ليس من مصلحة الفلسطينيين أن تكون لهم دولة لكن للإسرائيليين أيضاً مصلحة في أن يستقر الوضع.. وللولايات المتحدة مصلحة في أن ترى دولتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن).
نعم ذلك هو جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وهنا تبرز حكمة وحنكة الرئيس الأمريكي الجديد لحرصه على قيام الدولة الفلسطينية وتفهمه للمبادرة العربية التي نأمل أن يتواصل دعم ومؤازرة المجتمع الدولي من أجلها وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة نحو الإقرار بدولة فلسطينية حرة متكاملة الأركان عاصمتها القدس الشريف مع ضمان حق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم.
وأخيراً دعونا نقلب في صفحات التاريخ الحديث لنتذكر معاً ذلك الحوار الذي دار بين المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- والرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت على ظهر إحدى قطع الأسطول الأمريكي الطرادة يو.إس كوينسي عام 1945م عند مرورها بقناة السويس قرب البحيرات المرة والذي اتسم بالشفافية والوضوح وبعد النظر وعدم ازدواجية المعايير.. فما أشبه الليلة بالبارحة عندما يتسيد الاعتدال الذي به ومعه يتحقق العدل والأمن والسلام فيعم الاستقرار ربوع العالم على درب تقدم حضاري حقيقي وتنمية شاملة بما يعيد للاقتصاد حيويته وازدهاره لمصلحة البشرية جمعاء.