بين السياسة والدين عقد توافقي قديم، ولطالما توارت السياسة خلف الطروحات الدينية (المتجوهرة حول قيم سامية ومعاني نبيلة أزلية) بهدف تمرير المصالح الآنية المرحلية للعبة السلطة.
في عصرنا الحديث الذي تموج فيه الشعارات المرتدية بردة وعمامة الديني؛ مثل النصر الإلهي، واليوم المجيد، وسواها من معلبات تسويقية لم يشهد توظيفا واستغلالا للحادثة التاريخية فاقعا وفاضحا كذاك الذي كان في عهد صدام حسين, الذي كان بدوره يحدس طبيعة الشعوب التي يوجه لها خطابه، كونها أقواما تلتفت بأعناقها إلى الخلف كمصدر للعز والسؤدد، وغائبة في تاريخ تحاول استجلابه وإعادة إحيائه بكل السبل، كي تواري به سوءة تخلفها الحضاري عن العصر الحديث، ومن هناك كانت صفحات التاريخ (كتالوج) بالنسبة لصدام حسين يقص ويلزق وفق ما يناسب طفراته المزاجية وحروبه وانتهاكاته للقوانين الدولية.
فنعت معاركه مع الفرس بقادسية صدام حسين، ومن ثم مالبث في مرحلة لاحقة أن أطلق على نفسه صلاح الدين الأيوبي حارس البوابة الشرقية، وحجته في هذا النسب بأنه يرجع وصلاح الدين الأيوبي إلى مدينة (تكريت)، ولكن لم يذكر في السياق بأن صلاح الدين كان كرديا ينتمي إلى ذلك الشعب الذين أبادهم صدام كالذباب (بالكيماوي) أيضا تحت غطاء وشرعية تاريخية؛ حيث أسمى غزواته على الكرد بالأنفال وجميعنا نعرف أن سبب نزول سورة الأنفال جاء إثر الاختلاف بين المسلمين على الغنائم بعد معركة بدر، ولا أعرف ما الأرضية التاريخية التي تجمع معركة بدر، مع (هولوكست) الأكراد في العصر الحديث ؟
وصواريخ سكود الروسية التي كان يبعثرها حوله ووصلنا بعض منها في الرياض، كانت تأتينا تحت مسميات الحسين والعباس، كان يستجير بالتراث الشيعي هنا ليضرب به السلفية السنية في الرياض.
جميع هذا بعد أن حوَّل العراق بتاريخها وإرثها وفنونها وحضارتها ونخيلها إلى معسكر حربي كبير، مشتبك في حروب لا تنقطع مع جيرانه ومحيطه، مستمدا من التاريخ غطاءه بعد أن رشق كلمة الله وأكبر فوق العلم العراقي.
المؤسي هنا، بعد جميع هذه الحقائق الزاعقة، نكتشف بأنه مازال من بين المجاميع المضللة من يترحم عليه ويهتف باسمه ويصنع له عرشا من خيالات وأوهام، ويرى انعكاس صورته على القمر، إنه مكر السياسية الذي لا يندمل.