Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/06/2009 G Issue 13405
الخميس 18 جمادىالآخرة 1430   العدد  13405
المنشود
العقل بين الدجاجة والزجاجة!!
رقية سليمان الهويريني

 

أثناء وقوف معلم اللغة العربية أمام طلابه في المرحلة الثانوية متهيئا لشرح درس النحو بحضور اثنين من المشرفين التربويين اللذين جاءا لتقييمه، قاطعه أحد الطلاب قائلاً: يا أستاذ، هذه المادة صعبة جداً ولا فائدة منها في الحياة كالعلوم الشرعية أو الحيوية! وما كاد هذا الطالب يتم حديثه حتى شاركه زملاؤه الرأي والاحتجاج على تدريس بعض المواد التي يرون أنها غير ذات جدوى. وقام الطلبة بإثارة الضوضاء، فأصبح أحدهم يتكلم عن صعوبتها، وآخر يصرخ مطالبا بإلغائها، وثالث يطالب بإعادة تقييم المناهج ورابع ينادي بتقصير اليوم الدراسي. واستغل الآخرون الفرصة لإضاعة الوقت عدا عن النائمين في آخر الفصل، وأولئك الجالسين في مؤخرة الركب، ناهيك عمن ليسوا مع الركب إطلاقا!

وأمام الفوضى العارمة التي أحدثها الطلبة وقف المعلم صامتا برهة من الزمن، ثم هز رأسه قائلا: حسناً، لن أشرح درس اليوم، وسأستبدله بلغز أو لعبة خفيفة!

فرح الطلبة، وتجهم وجهَا المشرفَين! توجه المعلم بعدها للسبورة وتناول القلم ورسم زجاجة ذات عنق ضيق، ورسم بداخلها دجاجة مكتنزة، ثم قال للطلبة: مَن منكم يستطيع أن يخرج هذه الدجاجة من الزجاجة، بشرط أن لا يكسر الزجاجة ولا يقتل الدجاجة أو يؤذيها؟!

فكر الطلبة ملياً، إلا أنهم في النهاية فشلوا في حل هذا اللغز المحير، بينما أُعجب المشرفان باللغز، وحاولا مشاركة الطلبة الحل، ولكنهم فشلا أيضا. وبدد صمت الحيرة، وإطراق الرؤوس صوتُ أحد الطلبة من آخر الفصل مبديا يأسه وعجزه قائلا: يا أستاذ لا يمكن إخراج هذه الدجاجة إلا بكسر الزجاجة أو قتل الدجاجة وتقطيعها إرباً، إرباً!

قال المعلم: بل حياة الدجاجة وبقاء الزجاجة دون كسرٍ مرهون بحل اللغز. فقال أحد الطلبة متهكماً: إذاً يا أستاذ من وضع الدجاجة بداخل الزجاجة عليه أن يتكفل بإخراجها.

ضحك الطلبة على جرأة زميلهم وتفاجؤوا بوقاحته، بيد أن ضحكاتهم لم تدم طويلاً! فقد قطعها صوت المعلم قائلا: صحيح، صحيح، هذا هو الحل أيها الطالب النجيب! فمن وضع الدجاجة داخل الزجاجة هو وحده من يعرف كيفية إخراجها سليمة، وكذلك أنتم! فقد وضعتم في عقولكم فكرة أن هذه المادة صعبة حتى ترسخت مع الأيام وكبرت وتضخمت، فمهما شرحتها لكم وحاولت تبسيطها فلن أفلح، إلا إذا أخرجتم هذا المفهوم الخاطئ بأنفسكم، ودون مساعدة، كما أدخلتموه بأنفسكم دونما حض من أحد.

انتهت الحصة وقد أعجب المشرفان كثيراً بالمعلم برغم أنه لم يشرح الدرس كما هو متفق.

والمفاجأة أن الطلبة بعد ذلك بدؤوا يتقدمون بالدراسة ويحققون مستويات جيدة في المادة، وغيرها من المواد!

ترى كم واحد قد وضع دجاجة أو دجاجا بل قطيعا من الغنم والإبل والفيلة، في عقله؟ ثم كبرت وكبرت حتى كادت تفجِّر زجاجة حياته وهو لم يدرك بعد أنه بحاجة إلى معلم كهذا المشفق على طلابه؟!

إن آفة تعليمنا أن المعلمين يدخلون دجاجا ميتا في زجاجات عقول أبنائنا فلا نستطيع إخراجها ولو كسرنا الزجاجة!

ألا، خذوا كل الدجاج والزجاج وأعطوني معلما متهللاً وطلق الحْجَاج!!

rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب260564 الرياض 11342





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد